البلاغة :
التمثيل :
في قوله « إنا عرضنا الأمانة على السموات إلخ » فن التمثيل والمراد بالأمانة الطاعة عامة ولا مجال لتخصيصها، وعرضها على السموات والأرض والجبال تمثيل فهي استعارة تمثيلية وقد سبق القول فيها، ولكن عبد القاهر جعل فرقا بين الاستعارة والتمثيل فهو يفرق
إعراب القرآن وبيانه، ج ٨، ص : ٥٨
أول ما يفرق بينهما بأن الاستعارة تكون في لفظ ينقل عن أصله اللغوي ويجري على ما لم يوضع له من أجل شبه ما نقل اليه وما نقل عنه فإذا قلت رأيت أسدا تريد به الرجل الشجاع كانت الاستعارة في كلمة الأسد، أما التمثيل فهو التشبيه المنتزع من مجموع أمور لا تحصل إلا بجملة من الكلام أو أكثر وقد تجد الألفاظ في الجمل التي يعقد منها جارية على أصولها وحقائقها في اللغة، هذا ويقوم التمثيل هنا على ما هو متخيل في الذهن فإن عرض الأمانة على الجماد وإباءه وإشفاقه محال في نفسه غير مستقيم فالمشبه به إذن غير معقول ولكنك تتخيل حال التكليف في صعوبته وثقل محمله بحاله المفروضة لو عرضت على السموات والأرض والجبال لأبين أن يحملنها وأشفقن منها، والأمانة التي هي الطاعات كأنها راكبة للمؤمن وهو حاملها ألا تراهم يقولون : ركبته الديون ولي عليه حق فإذا أداها لم تبق راكبة له ولا هو حاملا لها، ونحوه قولهم لا يملك مولى لمولى نصرا يريدون أنه يبذل النصرة له ويسامحه بها ولا يمسكها كما يمسكها الخاذل على حد قول القطامي وقيل ذي الرمة.
أخوك الذي لا تملك الحس نفسه وترفض عند المحفظات الكتائف
أي لا يمسك الرقة والعطف إمساك المالك الضنين ما في يده بل يبذل ذلك ويسمح به، وحسّ له حسا رقّ وعطف والحس أيضا العقل والتدبير والنظر في العواقب والارفضاض من الترشرش والتناثر.