الفاء الفصيحة ولا ناهية وتذهب فعل مضارع مجزوم بلا ونفسك فاعل وعليهم متعلقان بتذهب كما تقول هلك عليه حبا ومات عليه حزنا، ولا يجوز أن يتعلق بحسرات لأن المصدر لا تتقدم عليه صلته، وحسرات مفعول لأجله والمعنى فلا تهلك نفسك للحسرات وقال المبرد انها تمييز وقال الزمخشري :« يجوز أن يكون حالا كأن كلها صارت حسرات لفرط التحسر كما قال جرير :
مشق الهواجر لحمهن مع السرى حتى ذهبن كلا كلا وصدورا
يصف نوقا بالهزال يقال فرس ممشوق أي طويل مهزول وجارية ممشوقة القوام والهاجرة شدة الحر والسرى بالضم سير الليل والكلكل والكلكال الصدر أي صرن من شدة الحر كأنهن عظام فقط لا لحم عليهن وعطف الصدور على الكلاكل للتفسير وسيأتي المزيد من هذا البحث في باب البلاغة.
و ان واسمها وخبرها وبما يصنعون متعلقان بعليم.
البلاغة :
في قوله :« فلا تذهب نفسك عليهم حسرات » فن الإيغال وهو الإتيان بكلام يعتبر بمثابة التتمة لكلام سبقه احتياطا فقد أقسم اللّه تعالى بحياة الرسول أكثر من مرة ان الذين أعرضوا عنه وخالفوه قد تجاوزوا كل حدّ بإعراضهم ودللوا على أنهم مفرطون في الغباوة
إعراب القرآن وبيانه، ج ٨، ص : ١٢٧
موغلون في الضلال كما قال تعالى في أكثر من موضع « لعمرك انهم لفي سكرتهم يعمهون » وقوله أيضا « و لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر » وقوله « فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا » وذهاب النفس حسرة وأسفا تعبير مرموق رمقه الشعراء كثيرا فقال شاعر قديم :
فعلى إثرهم تساقط نفسي حسرات وذكرهم لي سقام