٢- التدبيج في قوله « و من الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود » وقد تقدم أن التدبيج هو أن يذكر المتكلم ألوانا يقصد الكناية بها والتورية بذكرها عن أشياء من وصف أو مدح أو هجاء أو نسيب أو غير ذلك من الفنون، وقد أراد اللّه تعالى بذلك الكناية عن المشتبه من الطرق لأن الجادة البيضاء هي الطريق التي كثر السلوك عليها جدا وهي أوضح الطرق وأبينها يأمن فيها المتعسف ولا يخاف اجتيازها الموغل في الاسفار والممعن في افتراش صعيد المغاور، ولهذا قيل ركب بهم الحجة البيضاء ودونها الحمراء ودون الحمراء السوداء كأنها في خفائها والتباس معالمها ضد البيضاء في الظهور والوضوح، ولما كانت هذه الألوان الثلاثة في الظهور للعين طرفين وواسطة بينهما، فالطرف الأعلى في الظهور البياض والطرف الأدنى في الخفاء السواد والأحمر بينهما على وضح الألوان والتراكيب، وكانت ألوان الجبال لا تخرج، في الغالب، عن هذه الألوان الثلاثة، والهداية بكل علم نصب للهداية منقسمة هذه القسمة، أتت الآية الكريمة على هذا التقسيم فحصل فيها التدبيج مع صحة التقسيم وهي مسرودة على نمط متعارف، مسوقة للاعتداد بالنعم على ما هدت اليه
إعراب القرآن وبيانه، ج ٨، ص : ١٥٢
من السعي في طلب المصالح والمنافع وتجنب المعاطب والمهالك الدنيوية والأخروية.
٣- العدول الى الاسمية :
و ذلك في قوله « و من الجبال » فإن إيراد هذه الجملة والجملة التي بعدها وهي « و من الناس » اسميتين مع مشاركتهما للجملة الفعلية قبلهما في الاستشهاد بمضمون كل من هذه الجمل على تباين الناس في الأحوال، كما أن اختلاف الجبال والناس والدواب والأنعام فيما ذكر من الألوان أمر مستمر فعبر عنه بما يدل على الاستمرار، وأما إخراج الثمرات المختلفة فأمر حادث متجدد فعبر عنه بما يدل على الحدوث.
٤- التقديم والتأخير والحصر :