قلت : إنما قصد هذا القائل بما قال تنزيه داود عن ذنب يبعثه عليه شهوة النساء فأخذ الآية على ظاهرها وصرف الذنب الى العجلة في نسبة الظلم الى المدعى عليه لأن الباعث على ذلك في الغالب إنما هو التهاب الغضب وكراهيته أخف مما يكون عليه الباعث عليه الشهوة والهوى ولعل هذا القائل يؤكد رأيه في الآية بقوله تعالى عقبها وصية لداود عليه السلام :« يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى » فما جرت العناية بتوصيته فيما يتعلق بالأحكام إلا والذي صدر منه أولا وبان منه من قبيل ما وقع له في الحكم بين الناس.
و عبارة أبي حيان :« و الظاهر ابقاء لفظ النعجة على حقيقتها من كونها أنثى الضأن ولا يكنى بها عن المرأة ولا ضرورة تدعو الى ذلك
إعراب القرآن وبيانه، ج ٨، ص : ٣٥٢
لأن ذلك الإخبار كان صادرا من الملائكة على سبيل التصوير للمسألة فمثلوا بقصة رجل له نعجة ولخليطه تسع وتسعون فأراد صاحبه تتمة الماء فطمع في نعجة خليطه وأراد انتزاعها منه وحاجّه في ذلك محاجّة حريص على بلوغ مراده ويدل على ذلك قوله : وان كثيرا من الخلطاء، وهذا التصوير والتمثيل أبلغ في المقصود وأدل على المراد »
الى أن يقول :« و ما حكى القصاص مما فيه غض من منصب النبوة طرحناه ونحن كما قال الشاعر :
و نؤثر حكم العقل في كل شبهة إذا آثر الاخبار جلاس قصاص
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٢٦ الى ٢٩]


الصفحة التالية
Icon