و في زيادة الواو في قوله وقابل التوب نكتة جليلة وهي إفادة الجمع بين رحمتي مغفرة الذنب وقبول التوب، وروي أن عمر بن الخطاب افتقد رجلا ذا بأس شديد من أهل الشام فقيل له تتايع في هذا الشراب فقال عمر لكاتبه اكتب من عمر الى فلان سلام عليك وأنا أحمد اللّه الذي لا إله إلا هو، بسم اللّه الرحمن الرحيم حم إلى قوله إليه المصير وختم الكتاب وقال لرسوله : لا تدفعه إليه حتى تجده صاحيا ثم أمر من عنده بالدعاء له بالتوبة، فلما أتته الصحيفة جعل يقرؤها ويقول قد وعدني اللّه أن يغفر لي وحذرني عقابه فلم يبرح يرددها حتى بكى ثم نزع فأحسن النزوع وحسنت توبته فلما بلغ عمر قال هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أخاكم قد زلّ زلة فسددوه ووفقوه وادعوا له اللّه أن يتوب عليه ولا تكونوا أعوانا للشياطين عليه. قلت :
و ما فعله عمر رضي اللّه عنه يجب أن يكون مثالا يحتذى في حسن الأدب وطريقة الهداية التي تهدي بالتي هي أحسن وتتفادى الغلظة والشدة في القول وسوء التنديد بما يفعله المذنب.
٣- الجدال مذموم إلا في الحق :
و في قوله « ما يجادل في آيات اللّه إلا الذين كفروا » إلماع الى ما ينطوي عليه الجدال المذموم لادحاض الحق وإطفاء نور اللّه، أما الجدال في الآيات لإزالة مشكلها وحل ملتبسها ومقارعة العلماء في
إعراب القرآن وبيانه، ج ٨، ص : ٤٦٠
استنباط معانيها وطرق إعرابها وحسن بيانها فأمر محمود بل هو مطلوب مفروض وعلى هذا الأساس ورد قوله صلى اللّه عليه وسلم :
« إن جدالا في القرآن كفر » فقد أورده منكرا للتمييز بين جدال وجدال.
٤- البدلية في قوله « إنهم من أصحاب النار » :
أعربنا « انهم من أصحاب النار » بدلا من كلمة ربك ولم نوضح نوع البدل والظاهر أنه يصح أن يكون بدلا مطابقا أو بدل اشتمال فإذا نظرنا الى اللفظ كان مطابقا لاتحاد مدلوله مع مدلول البدل وإذا اعتبرنا المعنى كان بدل اشتمال لأن معناه وعيده إياهم، وحكمه الأزلي بشقائهم.