في قوله « يعلم خائنة الأعين » فن الفرائد وهو من فنون البديع والمختص بالفصاحة دون البلاغة لأنه عبارة عن إتيان المتكلم في كلامه بلفظة تتنزل منزلة الفريدة من حب العقد وهي الجوهرة التي لا نظير لها تدل على جزالة منطقه، وعظم فصاحته، وقوة عارضته، وأصالة عربية بحيث تكون هذه اللفظة لو سقطت من الكلام عزت على الفصحاء غرابتها وهي كثيرة في القرآن وقد مر الكثير منها وهي هنا في لفظة « خائنة » فإنها بمفردها سهلة مستساغة كثيرة الجريان على الألسن فلما أضيفت الى الأعين حصل لها من غرابة التركيب ما جعل لها في النفوس هذا الوقع بحيث لا يتاح الإتيان بمثلها ولا يكاد يقع ذو فكر سليم وذهن مستقيم على شبهها، وقد شغلت هذه الكلمة كبار العلماء وأرباب الفصاحة وسنورد أقوالا منها، فقال ابن عباس :« هو الرجل يكون جالسا مع القوم فتمر المرأة فيسارقهم النظر إليها » وقال مجاهد :« هي مسارقة نظر الأعين الى ما قد نهى اللّه عنه » وقال الضحاك « هي قول الإنسان ما رأيت وقد رأى » وقال السدي :« إنه الرمز بالعين » وقال سفيان :« هو النظرة بعد النظرة » وقال الفراء :« خائنة الأعين هي النظرة الثانية وما تخفي الصدور النظرة الأولى » وقال ابن عباس :« و ما تخفي الصدور أي هل يزني بها لو خلا بها أو لا » وقيل « و ما تخفي الصدور تكنّه وتضمره ».
إعراب القرآن وبيانه، ج ٨، ص : ٤٧٦
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٢٣ الى ٢٧]


الصفحة التالية
Icon