و في قوله « و ما يستوي الأعمى والبصير » الآية فن حسن النسق وفي ترتيب النسق ثلاث طرق إحداها أن يجاور المناسب ما يناسبه كهذه الآية فالأعمى يجاور البصير وهذان الوصفان مستعاران لمن غفل عن معرفة الحق في مبدئه ومعاده وقدم الأعمى في نفي التساوي لمجيئه بعد صفة الذم في قوله ولكن أكثر الناس لا يعلمون والذين آمنوا وعملوا الصالحات أي المحسن يجاور المسي ء وقدم الذين آمنوا لمجاورته للبصير وناهيك بهذه المجاورة شرفا للمؤمن، وثاني الطريقتين أن يتأخر المتقابلان كقوله تعالى « مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع » وثالثتهما أن يقدم مقابل الأول ويؤخر مقابل الآخر كقوله تعالى :« و ما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور » وهذه الطرق الثلاث يتخير المتكلم في إيرادها حسب مقتضى الحال ووفق نواميس البلاغة وطرائقها واللّه أعلم.
الفوائد :
لام الابتداء :
تفيد أمرين : أولهما توكيد مضمون الجملة ولهذا زحلقوها في باب إن عن صدر الجملة كراهية ابتداء الكلام بمؤكدين، وثانيهما تخليص المضارع للحال. وتدخل باتفاق في موضعين :
١- على المبتدأ نحو :« لأنتم أشد رهبة في صدورهم من اللّه ذلك بأنهم قوم لا يفقهون ».
إعراب القرآن وبيانه، ج ٨، ص : ٥٠٤
٢- بعد إن وتدخل في هذا الباب على ثلاثة باتفاق : الاسم نحو « إن ربي لسميع الدعاء » والمضارع لشبهه به نحو « و إن ربك ليحكم بينهم » والظرف نحو « و إنك لعلى خلق عظيم » وعلى ثلاثة باختلاف : الماضي الجامد نحو (إن زيدا لعسى أن يقوم) والماضي المقرون بقد والماضي المتصرف المجرد من قد.
و من لام الابتداء لام القسم نحو « لينبذن في الحطمة » ونحو « و لسوف يعطيك ربك فترضى ».
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٦٠ الى ٦٣]


الصفحة التالية
Icon