و مراده الخطاب مع نفسه ولذلك قال بعده :
ظنّ بي من قد كلفت به فهو يجفوني على الظّن
بات لا يعنيه ما لقيت عين ممنوع من الوسن
رشأ لولا ملاحته خلت الدنيا من الفتن
إعراب القرآن وبيانه، ج ٨، ص : ٥٥٦
تقسيم آخر للتجريد :
و قسمه آخرون الى قسمين فقط وهما : تجريد محض وتجريد غير محض فالأول، وهو المحض، أن يأتي بكلام هو خطاب لغيرك وأنت تريد به نفسك كقول الحيص بيص في مطلع قصيدة له :
إلام يراك المجد في زيّ شاعر وقد بخلت شوقا فروع المنابر
كتمت بعيب الشعر حلما وحكمة ببعضهما ينقاد صعب المفاخر
أما وأبيك الخير انك فارس المقال ومحيي الدارسات الغوابر
و أنك أعييت المسامع والنهى بقولك عما في بطون الدفاتر
فهذا من محاسن التجريد ألا ترى أنه أجرى الخطاب على غيره وهو يريد نفسه كي يتمكن من ذكر ما ذكره من الصفات الفائقة وعدّ ما عدّه من الفضائل التائهة، وكل ما يجي ء من هذا القبيل فهو التجريد المحض.
و أما القسم الثاني، وهو غير المحض، فإنه خطاب لنفسك لا لغيرك، وبين هذا القسم والذي قبله فرق ظاهر وذاك أولى بأن
إعراب القرآن وبيانه، ج ٨، ص : ٥٥٧
يسمى تجريدا لأن التجريد لائق به وهذا هو نصف تجريد لأنك لم تجرد به عن نفسك شيئا وإنما خاطبت نفسك بنفسك كأنك فصلتها عنك وهي منك، ومما جاء منه قول عمرو بن الاطنابة :
أقول لها وقد جشأت وجاشت مكانك تحمدي أو تستريحي
و قول الآخر وقد قتل أخواه ابنا له فقدم إليه أخوه ليقتاد منه فألقى السيف من يده وأنشأ يقول :
أقول للنفس تأساء وتعزية إحدى يديّ أصابتني ولم ترد
كلاهما خلف من فقد صاحبه هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي
و ذكر أبو علي الفارسي كلاما جميلا بصدد التجريد فقال :