و في قوله « فمن عفا وأصلح فأجره على اللّه إنه لا يحب الظالمين »
إعراب القرآن وبيانه، ج ٩، ص : ٤٦ فنّ رفيع وهو التهذيب أيضا فإن الانتصار لا يكاد يؤمن فيه تجاوز السيئة والاعتداء خصوصا في حالة الفوران والغليان والتهاب الحمية وفي هذا جواب لمن يتساءل ما معنى ذكر الظلم عقب العفو مع أن الانتصار ليس بظلم. ومن هذا الديباج الخسرواني قوله تعالى « و إذا أذقنا الإنسان منّا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدّمت أيديهم فإن الإنسان كفور » فلم يقل فإنه كفور ليسجل على هذا الجنس أنه موسوم بكفران النعم كما سيأتي قريبا، ومنه أيضا « و قال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إن الظالمين في عذاب مقيم » فوضع الظالمين موضع الضمير الذي كان من حقه أن يعود على اسم إن فيقال ألا إنهم في عذاب مقيم فأتى هذا الظاهر تسجيلا عليهم بلسان ظلمهم وهذا من البديع الذي يسمو على طاقات المبدعين.
الفوائد :
حذف الفاء الرابطة : قد تحذف الفاء الرابطة في الندرة كقوله صلى اللّه عليه وسلم لأبيّ بن كعب لما سأله عن اللقطة : فإن جاء صاحبها وإلا استمتع بها، أخرجه البخاري، أو في الضرورة كقول حسان بن ثابت :
من يفعل الحسنات اللّه يشكرها والشر بالشرّ عند اللّه مثلان
أراد فاللّه يشكرها، وعن المبرد أنه منع ذلك مطلقا ولكنه وارد كثيرا كقوله :
و من لا يزل ينقاد للغي والصبا سيلفى على طول السلامة نادما
أراد فسيلفى.
إعراب القرآن وبيانه، ج ٩، ص : ٤٧
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٤٤ الى ٤٦]