تعظيم القرآن بأنه قرآن عربي مرجو له أن يعقل به العالمون فكان جواب القسم مصححا للقسم وتم التناسب بين القسم والمقسم به لأنهما من واد واحد، وقد تعلق الشعراء بأذيال هذه البلاغة العالية فأقسم أبو تمام بالثنايا إذ قال :
و ثناياك إنها إغريض ولآل توم وبرق وميض
و أقاح منوّر في بطاح هزّه في الصباح روض أريض
و ارتكاض الكرى بعيني ك في النوم فنونا وما لعيني غموض
فقد أقسم أبو تمام بالثنايا وهي مقدم أسنانها أنها أغريض فالقسم وجوابه متعلقان بشي ء واحد، والإغريض- كما في الصحاح- الطلع وكل أبيض طري، والتوم واحدة تومة وهي حبة تعمل من الفضة كالدرة.
٢- الاستعارة : وفي قوله « و إنه في أم الكتاب » استعارة تصريحية، وقد استعير لفظ الام للأصل وهو المشبه المحذوف لأن الأولاد تنشأ من الام كما تنشأ الفروع من الأصول وحكمة ذلك تمثيل ما ليس بمرئي حتى يصير مرئيا ولم تفد هذه الاستعارة سوى الظهور لأن الام أظهر للحس من الأصل.
الفوائد :
١- فتنة خلق القرآن : كانت المعتزلة تقول بنفي صفات المعاني عن اللّه تعالى، ومنها الكلام، لأن إثباتها يؤدي إلى التشبيه وإلى تعدّد القديم وذلك ينافي التوحيد وكان من النتائج اللازمة لذلك أن قالوا : بأن القرآن كلام اللّه مخلوق، قال صاحب المواقف :« قالت المعتزلة : كلامه تعالى أصوات وحروف لكنها ليست قائمة بذاته بل يخلقها اللّه في غيره كاللوح المحفوظ أو جبريل أو النبي وهو حادث » وليست المعتزلة أول
إعراب القرآن وبيانه، ج ٩، ص : ٦٣


الصفحة التالية
Icon