عودة الضمير : مما يشكل فهمه لأول وهلة عودة الضمير في قوله « اتخذها هزوا » لأن ظاهر الكلام يوهم أنه عائد على شي ء وهو مذكر ولكنه عدل عن اتخذه إلى اتخذها إشعارا بأنه إذا أحسّ بشي ء من الكلام أنه من جملة الآيات التي أنزلها اللّه على محمد صلى اللّه عليه وسلم خاص في الاستهزاء وبجميع الآيات ولم يقتصر على الاستهزاء بما بلغه منها، وقال الزمخشري « و يحتمل وإذا علم من آياتنا شيئا يمكن أن يتشبث به المعاند ويجد له محملا يتسلق به على الطعن والغميزة افترصه واتخذ آيات اللّه هزوا وذلك نحو افتراص ابن الزبعرى قوله عزّ وجلّ : إنكم وما تدعون من دون اللّه حصب جهنم ومغالطته رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقوله خصمتك، ويجوز أن يرجع الضمير إلى شي ء لأنه في معنى الآية كقول أبي العتاهية :
نفسي بشي ء من الدنيا معلقة اللّه والقائم المهدي يكفيها
حيث أراد عتبة »
هذا وقد كنى أبو العتاهية بالشي ء عن جارية من حظايا المهدي اسمها عتبة ولذلك أعاد عليه الضمير مؤنثا وبعده :
إني لأيأس منها ثم يطمعني فيها احتقارك للدنيا وما فيها
و معنى البيتين أنه لا يريد من الدنيا غير هذا الشي ء والقائم بالأمر يكفيها أي يكفيني تلك الحاجة أو يكفي نفسي ما تريد واللّه بقطع الهمزة لأن أول المصراع محل ابتداء في الجملة، ثم أنا أيأس منها
إعراب القرآن وبيانه، ج ٩، ص : ١٤٧
فأقطع طمعي منها ثم أطمع فيها ثانيا بسبب احتقارك للدنيا وما فيها وهو مدح بنهاية الكرم وروي أنه كتب ذلك في ثوب وأدرجه في برنية وأهداها للمهدي فهمّ بدفعها إليه فقالت الجارية أتدفعني إلى رجل مكتسب فأمر بمل ء البرنية مالا ودفعها إليه فقال للخزّان إنما أمر لي بدنانير فقال له الخزّان نعطيك دراهم واختلفا، فقالت لو كان عاشقا لما فرّق بينهما.
[سورة الجاثية (٤٥) : الآيات ١٢ الى ١٥]


الصفحة التالية
Icon