أورد الزمخشري إشكالا على إعراب فضلا فقال :« فإن قلت من أين جاز وقوعه مفعولا له والرشد فعل القوم والفضل فعل اللّه والشرط أن يتحد الفاعل؟ قلت لما وقع الرشد عبارة عن التحبيب والتزيين والتكريه مسندة إلى اسمه تقدست أسماؤه صار الرشد كأنه فعله فجاز أن ينتصب عنه أو لا ينتصب عن الراشدون ولكن عن الفعل المسند إلى اسم اللّه تعالى والجملة التي هي أولئك هم الراشدون اعتراض أو عن فعل مقدّر كأنه قيل جرى ذلك أو كان ذلك فضلا من اللّه وأما كونه مصدرا من غير فعله فأن يوضع موضع رشدا لأن رشدهم فضل من اللّه لكونهم موفقين فيه والفضل والنعمة بمعنى الأفضال » نقول، وهذا الإشكال الذي أورده الزمخشري بناء على اعتقاد المعتزلة بأن الرشد ليس من أفعال اللّه تعالى وإنما هو فعلهم حقيقة، والواقع أن الرشد من أفعال اللّه ومخلوقاته فقد وجد شرط انتصاب المفعول له وهو اتحاد فاعل الفعلين على أن الإشكال وارد نصا على تقريرنا على غير الحدّ الذي أورده عليه الزمخشري بل من جهة أن اللّه تعالى خاطب خلقه بلغتهم المعهودة عندهم ومما يعهدونه أن الفاعل من نسب إليه الفعل وسواء كان حقيقة أو مجازا حتى يكون زيد فاعلا وانقض الحائط وأشباهه كذلك وقد نسب إليهم الرشد على طريقة أنهم الفاعلون وإن كانت النسبة مجازية باعتبار المعتقد وإذا تقرر وروده على هذا الوجه فلك في الجواب عنه طريقان إما جواب الزمخشري وإما أمكن منه وأبين وهو أن الرشد هنا يستلزم كونه راشدا إذ هو مطاوعه لأن اللّه تعالى أرشدهم فرشدوا وحينئذ يتحد الفاعل على طريقة الصناعة اللفظية المطابقة للحقيقة وهو عكس قوله يريكم البرق خوفا وطمعا فإن الإشكال بعينه وارد فيها إذ الخوف والطمع فعلهم أي منسوب إليهم على طريقة أنهم الخائفون الطامعون والفعل
إعراب القرآن وبيانه، ج ٩، ص : ٢٦٦