البعضية للإيذان بأن في الظنون ما يجب أن يجتنب من غير تبيين لذلك ولا تعيين لئلا يجترئ أحد على ظن إلا بعد تأمّل وبعد نظر وتمحيص واستشعار للتقوى والحذر من أن يكون الظن طائش السهم، بعيدا عن الإصابة، وما أكثر الذين تسوّل لهم ظنونهم ما ليس واقعا ولا يستند إلى شي ء من اليقين.
٢- الاستعارة التمثيلية الرائعة في قوله تعالى « أ يحبّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه » فقد شبّه من يغتاب غيره بمن يأكل لحم أخيه ميتا وفيها مبالغات أولها الاستفهام الذي معناه التقرير كأنه أمر مفروغ منه مبتوت فيه، وثانيها جعل ما هو الغاية من الكراهة موصولا بالمحبة، وثالثها إسناد الفعل إلى كل أحد للإشعار بأن أحدا من الأحدين لا يحبّ ذلك، ورابعها أنه لم يقتصر على تمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان وهو أكره اللحوم وأبعثها على التقزّز حتى جعل الإنسان أخا، وخامسها أنه لم يقتصر على أكل لحم الأخ حتى جعله ميتا ومن ثم فصحت هذه الآية وأكبرها أصحاب البيان وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم « ما صام من ظل يأكل لحوم الناس » وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : أتدرون ما الغيبة؟ قالوا : اللّه ورسوله أعلم قال ذكرك أخاك بما يكره قال : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول فقال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته.
و عن ابن عباس أن سلمان كان يخدم رجلين من الصحابة ويسوّي لهما طعامهما فينام عن شأنه يوما فبعثاه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يبغي لهما أداما وكان أسامة على طعام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال : ما عندي شي ء فأخبرهما سلمان بذلك فعند ذلك قالا لو بعثناه إلى بئر سميحة لغار ماؤها فلما راحا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه
إعراب القرآن وبيانه، ج ٩، ص : ٢٧٦
و سلم قال لهما ما لي أرى خضرة اللحم في أفواهكما، فقالا : ما تناولنا لحما فقال : إنكما قد اغتبتما فنزلت...


الصفحة التالية
Icon