له، وهذا الإعراب الذي لهم ليس بجيد من جهة صناعة العربية لأن مثل هذا مما لا يجوز فيه الرفع بالابتداء ولا يجوز الابتداء هنا بقوله ورهبانية لأنها نكرة لا مسوغ لها من المسوغات للابتداء بالنكرة. وقال ابن المنير متعقبا الزمخشري :« في إعراب هذه الآية تورّط أبو علي الفارسي وتحيز إلى فئة الفتنة وطائفة البدعة فأعرب رهبانية على أنها منصوبة بفعل مضمر يفسّره الظاهر وعلّل امتناع العطف فقال : ألا ترى أن الرهبانية لا يستقيم حملها على جعلنا مع وصفها بقوله ابتدعوها لأن ما يجعله هو تعالى لا يبتدعونه هم، والزمخشري أيضا ورد مورده الذميم وأسلمه شيطانه الرجيم فلما أجاز ما منعه أبو علي من جعلها معطوفة أعذر لذلك بتحريف الجعل إلى معنى التوفيق فرارا مما فرّ منه أبو علي من اعتقاد أن ذلك مخلوق للّه تعالى وجنوحا إلى الإشراك واعتقاد أن ما يفعلونه هم لا يضلّه اللّه تعالى ولا يخلقه وكفى بما في هذه الآية دليلا بعد الأدلة القطعية والبراهين العقلية على بطلان ما اعتقداه فإن ذكر محل الرحمة والرأفة مع العلم بأن محلها النصب فجعل قوله في قلوب الذين اتبعوه تأكيدا لخلقه هذه المعاني وتصويرا لمعنى الخلق بذكر محله، ولو كان المراد أمرا غير مخلوق في قلوبهم للّه تعالى كما زعما لم يبق لقوله في قلوب الذين اتبعوه موقع ويأبى اللّه أن يشتمل كتابه الكريم على ما لا موقع له ». أما أبو البقاء فقد جمع بين الرأيين فقال :« قوله تعالى : ورهبانية هو منصوب بفعل دلّ عليه ابتدعوها لا بالعطف على الرحمة لأن ما جعله اللّه تعالى لا يبتدعونه، وقيل هو معطوف عليها وابتدعوها نعت له والمعنى فرض عليهم لزوم رهبانية ابتدعوها ولهذا قال : ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان اللّه ».


الصفحة التالية
Icon