و تعقبه ابن المنير فقال :« ادعى عاما واستدل خاصا فإن دعواه إبطال الكرامات بجميع أنواعها والمدلول عليه بالآية إبطال اطّلاع الولي على الغيب خاصة ولا يكون كرامة وخارق العادة إلا الاطّلاع على الغيب لا غير وما القدرية إلا ولهم شبهة في إبطالها وذلك أن اللّه عزّ وجلّ لا يتخذ منهم وليّا أبدا وهم لم يحدثوا بذلك عن أشياعهم قطّ فلا جرم أنهم يستمرون على الإنكار ولا يعلمون أن شرط الكرامة الولاية وهي مسلوبة عنهم اتفاقا أما سلب الإيمان فمسألة خلاف.... وهو يريد الكرامة لأنه لم يؤتها ».
و نحا القرطبي نحوا آخر فقال :« قال العلماء لما تمدح سبحانه بعلم الغيب واستأثر به دون خلقه كان فيه دليل على أنه لا يعلم الغيب أحد سواه ثم استثنى من ارتضاه من الرسل فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم وجعله معجزة لهم ودلالة صادقة على نبوتهم » ثم ذكر استدلالا على بطلان ما يقوله المنجم ثم قال باستحلال دم المنجم.
و قال الواحدي :« في هذا دليل على أن من ادّعى أن النجوم تدل على ما يكون من حياة أو موت أو غير ذلك فقد كفر بما في القرآن ».
و قال أبو عبد اللّه الرازي :« و الواحدي تجوز الكرامات على ما قال صاحب الكشاف بجعلها تدل على المنع من الأحكام النجومية ولا تدل على الإلهامات مجرد تشبه، وعندي أن الآية لا تدل على شي ء مما قالوه لأن قوله : على غيبه ليس فيه صفة عموم » إلى أن يقول :« و اعلم أنه لا بدّ من القطع بأنه ليس المراد من هذه الآية أنه لا يطّلع أحد على شي ء من المغيبات إلا الرسل عليهم الصلاة والسلام والذي يدل عليه وجوه :
إعراب القرآن وبيانه، ج ١٠، ص : ٢٥٤
أحدها : أنه ثبت بالأخبار القريبة من التواتر أن شقا وسطيحا كانا كاهنين يخبران بظهور محمد صلّى اللّه عليه وسلم قبل زمان ظهوره وكانا في العرب مشهورين بهذا النوع من العلم حتى رجع إليهما كسرى في تعرّف أخبار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم.


الصفحة التالية
Icon