أما قوله الأول أن نداءه تهجين للحالة التي ذكر أنه كان عليها واستشهاده بالأبيات المذكورة فخطأ وسوء أدب ومن اعتبر عادة خطاب اللّه تعالى له في الإكرام والإجلال علم بطلان ما تخيله الزمخشري فقد قال العلماء أنه لم يخاطب باسمه نداء وإن ذلك من خصائصه دون سائر الرسل إكراما له وتشريفا فأين نداؤه بصيغة مهجنة من ندائه باسمه واستشهاده على ذلك بأبيات قيلت ذمّا في جفاة حفاة من الرعاة فأنا أبرأ إلى اللّه من ذلك وأربأ به صلّى اللّه عليه وسلم » ولقد ذكرت بقوله « أوردها سعد وسعد مشتمل » ما وقفت عليه من كلام ابن خروف النحوي يردّ على الزمخشري ويخطى ء رأيه في تصنيفه المفصل وإجحافه في الاختصار بمعاني كلام سيبويه حتى سمّاه ابن خروف البرنامج وأنشد عليه :
أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا يا سعد تورد الإبل
أقول : ولا مندوحة عن القول أن ابن المنير قد تجنى على الزمخشري كثيرا وتجاهل ما أورده من الوصف الممتع الدقيق لتشميره صلّى اللّه عليه وسلم وعبادته ولكن إيراد الأبيات التي قيلت في الذم بهذا الصدد خطأ وقع فيه الزمخشري وربّ خطأ نشأ عن صواب ولا بأس بعد هذا من إيراد عبارة السهيلي بهذا الصدد فقد بلغ بها الغاية في التعليل والتأويل والتلطف في التحليل قال :« ليس المزمّل باسم من أسمائه عليه الصلاة والسلام يعرف به وإنما هو مشتق من حالته التي كان التبس بها حالة الخطاب والعرب إذا قصدت الملاطفة بالمخاطب تترك المعاتبة نادوه باسم مشتق من حالته التي هو عليها كقول النبي صلّى اللّه عليه وسلم لعلي كرّم اللّه وجهه : وقد نام ولصق بجنبه التراب : قم أبا تراب إشعارا بأنه ملاطف له فقوله يا أيها المزمّل فيه تأنيس وملاطفة ».
إعراب القرآن وبيانه، ج ١٠، ص : ٢٦٦
[سورة المزمل (٧٣) : الآيات ١٥ الى ٢٠]


الصفحة التالية
Icon