التسعة عشر هم الرؤساء والنقباء وأما جملتهم فالعبارة تعجز عنها كما قال تعالى :(وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ).
أما أبو حيان فقد أطال ودندن ووثب حينا وأسف حينا ومما نختاره من عبارته :« عليها تسعة عشر التمييز محذوف والمتبادر إلى الذهن أنه ملك ألا ترى العرب وهم الفصحاء كيف فهموا منه أن المراد ملك حين سمعوا ذلك »، ونقل الرواية التي أوردناها ثم قال :« و قيل التمييز المحذوف صنفا من الملائكة وقيل نقيبا ومعنى عليها يتولون أمرها وإليهم جماع زبانيتها فالذي يظهر من العدد ومن الآية بعد ذلك ومن الحديث أن هؤلاء هم النقباء » ويكاد هذا يكون نفس ما قاله القرطبي.
أما رأي الرازي والكرخي فلا يخلو من دخل عليه لما فيه من التعسف والتكلف كما ترى ووجه الدخل عليه أنه يلزم أن يكون لكل إنسان مثل هذه العدة من الملائكة ولم تكن هي جملة عدة الملائكة لجهنم ولجميع من حوت من المعذبين.
أما الجواب الفني الذي يحل الإبهام حلا أدنى إلى المنطق وأقرب إلى الإقناع وأشبه ببلاغة القرآن الكريم فهو أن يقال : إنه لا مرية في أن أهل النار يزيدون على أهل الجنة بأضعاف مضاعفة ولأن المؤمنين من كل أمة عشر معشار كفارها، وقد أخبر اللّه سبحانه وتعالى عن الجنة أن عرضها السموات والأرض فما ظنك بطولها والطول من كل شي ء في معترف العادة أكثر من العرض فأهلها على هذا لا يحصيهم العد ولا يحصرهم الحد، وقد تبين أن أهل النار أضعافهم فهم إلى تجاوز الحدّ في العد أقرب وأقلّ ما يظنّ بالملائكة الموكلين بعذابهم أن تكون عدتهم وفق عدتهم ليكون بإزاء كل معذّب معذّب وهذا عدد لا نهاية له ولا لكميته، فلما أراد الحق الإخبار بعدة هذه الملائكة عدل عن ذكر عددهم الذي هو معلوم عنده، وإن تجاوز النهاية
إعراب القرآن وبيانه، ج ١٠، ص : ٢٨٥


الصفحة التالية
Icon