و قال أبو العلاء :
حمراء ساطعة الذوائب في الدجى ترمي بكل شرارة كطراف
فشبّهها بالطراف وهو بيت الأدم، في العظم والحمرة، وكأنه قصد بخبثه أن يزيد على تشبيه القرآن، ولتبجحه بما سوّل له من توهم الزيادة جاء في صدر بيته بقوله « حمراء » توطئة لها ومناداة عليها، وتنبيها للسامعين على مكانها، ولقد عمي، جمع اللّه له عمى الدارين، عن قوله عزّ وجلّ :« كأنه جمالات صفر » فإنه بمنزلة قوله : كبيت أحمر، على أن في التشبيه بالقصر وهو الحصن تشبيها من جهتين : من جهة العظم، ومن جهة الطول في الهواء، وفي التشبيه بالجمالات وهي القلوس تشبيه من ثلاث جهات من جهة العظم، والطول، والصفرة، فأبعد اللّه إغرابه في طرافه، وما نفخ به شدقيه من استطرافه ».
و ذكر صاحب نسمة السحر عن الزمخشري عند قوله تعالى :
« إنها ترمي بشرر كالقصر » أنه ذكر بيت أبي العلاء في صفة نار القرى من القصيدة الفائية التي رثى بها النقيب أبا أحمد الموسوي والد الشريف الرضي والمرتضى وهو :
حمراء ساطعة الذوائب في الدجى ترمي بكلّ شرارة كطراف
و حمي عليه وقال : إنه أراد وقصد الزيادة على تشبيه القرآن العظيم بالقصر، قال : ولا أدري من أين له أنه قصد الزيادة على تشبيه القرآن فمن المعلوم أن القصر أعظم من الطراف، وهي خيمة من الأدم
إعراب القرآن وبيانه، ج ١٠، ص : ٣٤٢
الأحمر يتخذها الأتراك البادون ومياسير العرب ولكن الزمخشري مع فضله كان حديد المزاج كثيرا ».
أقول : والزمخشري- رحمه اللّه- يتحكك بأبي العلاء في مواطن كثيرة وهو- كما نرى في نقده لبيت المعرّي الجميل- ظاهر التجانف والميل وقد تعودنا من الزمخشري أن يعرض لخصوم المعتزلة، وليس أبو العلاء منهم، ولكن الزمخشري كان رجلا أديبا قرأ رسائل المعرّي ووطن لموقفه من النحاة فحمله كرهه على التحرّش به.


الصفحة التالية
Icon