و قيل إن الصحابة وهم أهل الحجاز وأصحاب اللغة التي نزل بها القرآن لم يفهموا بعض الغريب في آيات الكتاب، من ذلك ما أخرجه أبو عبيد في الفضائل عن إبراهيم التيمي أن أبا بكر الصديق سئل عن قوله تعالى :« و فاكهة وأبا » فقال : أي سماء تظلّني وأي أرض تقلّني إن أنا قلت في كتاب اللّه ما لا أعلم. ونقل عن أنس أن عمر بن الخطاب قرأ على المنبر « و فاكهة وأبا » فقال : هذه الفاكهة قد عرفناها فما الأب؟
ثم رجع إلى نفسه فقال : إن هذا لهو الكلف يا عمر، وفي رواية ثم رفض عصا كانت بيده وقال : هذا لعمر اللّه التكلف وما عليك يا ابن أم عمر أن لا تدري ما الأبّ ثم قال : اتبعوا ما تبين لكم من هذا الكتاب وما لا فدعوه. وقد علّق الزمخشري على كلمة عمر تعليقا بديعا نورده فيما يلي :
« فإن قلت فهذا يشبه النهي عن تتبع معاني القرآن والبحث عن مشكلاته قلت : لم يذهب إلى ذلك ولكن القوم كانت أكبر همتهم عاكفة على العمل وكان التشاغل بشي ء من العلم لا يعمل به تكلفا عندهم فأراد أن الآية مسوقة في الامتنان على الإنسان بمطعمه واستدعاء شكره وقد علم من فحوى الآية أن الأب بعض ما أنبته اللّه للإنسان متاعا له ولأنعامه فعليك بما هو أهم من النهوض بالشكر للّه على ما تبين لك ولم يشكل مما عدّد من نعمه، ولا تتشاغل عنه بطلب معنى الأبّ ومعرفة البنات الخاص الذي هو اسم له واكتف بالمعرفة الجملية إلى أن يتبين لك في غير هذا الوقت، ثم وصّى الناس بأن يجروا على هذا السنن فيما أشبه ذلك من مشكلات القرآن ».
إعراب القرآن وبيانه، ج ١٠، ص : ٣٨٢
كيف بدأ تفسير القرآن؟


الصفحة التالية
Icon