خضعت القصة القرآنية في موضوعها وطريقة عرضها وإرادة حوادثها وتسلسل مشاهدها لمقتضيات الأغراض الدينية، وظهرت آثار هذا الخضوع في سمات متعددة، ولكن هذا الخضوع الكامل للأغراض الدينية ووفاءها بهذا الغرض تمام الوفاء لم يمنعا بروز الخصائص الفنية في عرضها ولا سيما في التصوير وهو أبرز خصائص القرآن، وقد كنّا نودّ لو نقلنا لك قصة ذات العماد كما نقلها الرواة والمفسرون ولكن الأمر يطول فحسبنا أن ننقل لك خلاصتها لتلمح على ضوء تلك الخلاصة خصائصها الفنية ثم نحيلك على المطوّلات فقد رووا أنه كان لعاد ابنان وهما شداد وشديد فملكا وقهرا ثم مات شديد فخلص الأمر لشداد وملك الدنيا ودانت له ملوكها فسمع بذكر الجنة فقال : سأبني مثلها فبنى إرم في بعض صحارى عدن في ثلاثمائة سنة وكان عمره تسعمائة سنة وهي مدينة عظيمة أضفى عليها الخيال تهاويل من الوصف الرائع فقصورها من الذهب والفضة وأساطينها من الزبرجد والياقوت وفيها أصناف الأشجار والأنهار المطّردة، ولما تمّ بناؤها سار إليها بأهل مملكته فلما كان على مسيرة يوم وليلة بعث اللّه عليهم صيحة من السماء فهلكوا، وعن عبد اللّه بن قلابة أنه خرج في طلب إبل له فوقع عليها فحمل ما قدر عليه مما ثم وبلغ خبره معاوية فاستحضره فقصّ
إعراب القرآن وبيانه، ج ١٠، ص : ٤٧٣
عليه فبعث إلى كعب فسأله فقال هي إرم ذات العماد وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك أحمر أشقر قصير على حاجبه خال وعلى عقبه خال يخرج في طلب إبل له ثم التفت فأبصر ابن أبي قلابة فقال : هذا واللّه ذلك الرجل. وعلى كل حال ليس لهذه أصل ديني تستند إليه، وقد أدخلت خرافات مختلفة ونسجت أقاصيص منحولة وأساطير مفتعلة في تفسير كتاب اللّه سبحانه.
[سورة الفجر (٨٩) : الآيات ١٥ الى ٣٠]