ففي قوله عمود استعارة تصريحية أصلية شبّه رئيس القوم بالعمود بجامع أن كلاهما يحمل والقرينة يهلك وفي إلى هلك يصير تجريد وقد يجتمع الترشيح مع التجريد لجواز أن يتناسى التشبيه في بعض الصفات دون بعض، ومن أمثلته قول أبي الطيب :
سقاك وحيّانا بك اللّه إنما على العيس نور والخدور كمائمه
فالنور الزهر أو الأبيض منه والمراد به هنا النساء والجامع الحسن فالاستعارة تصريحية أصلية وفي ذكر الخدور تجريد وفي ذكر الكمائم ترشيح وتسمى الاستعارة عندئذ مطلقة.
٣- وفي قوله « أولئك أصحاب الميمنة والذين كفروا هم أصحاب المشأمة » خولف في التعبير، فقد أشار إلى المؤمنين تكريما لهم وأنهم حاضرون عنده تعالى في مقام كرامته وبمثابة الجالسين أمامه لا يعدو الأمر أكثر من الإشارة إليهم بالبنان ثم استعمل لفظ الإشارة الدّال على البعد فلم يقل هؤلاء إيذانا ببعد منزلتهم عنده ونيلهم شرف الحظوة والقرب منه أما الكافرون فقد ذكرهم بضمير الغيبة إشارة إلى أنهم غائبون عن مقام تجلياته وسبحات فيوضاته وأنهم لا يستأهلون أن يمتّوا إليه ولو بأوهن الأسباب، وهذا من العجب العجاب فتدبره.
إعراب القرآن وبيانه، ج ١٠، ص : ٤٩٣
(٩١) سورة الشّمس
مكيّة وآياتها خمس عشرة
[سورة الشمس (٩١) : الآيات ١ الى ١٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَ الشَّمْسِ وَضُحاها (١) وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (٢) وَالنَّهارِ إِذا جَلاَّها (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها (٤)
وَ السَّماءِ وَما بَناها (٥) وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (٦) وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (٨) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (٩)


الصفحة التالية
Icon