٣- وفي قوله « فهو في عيشة راضية » مجاز مرسل لأن الذي يرضى بها الذي يعيش فيها فهو مجاز مرسل علاقته المحلية وقيل راضية بمعنى مرضية، وأول من ألّف في مجازات القرآن في أواخر القرن الثاني الهجري أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه « مجاز القرآن » وقد أشرنا إليه في هذا الكتاب وهو يقدّم لكتابه بمقدمة في بحوث لغوية عامة في القرآن يبدؤها ببحث كلمة قرآن وله رأي خاص في اشتقاق هذه الكلمة ينقله عنه المتأخرون وهو قوله :« إنما سمي قرآنا لأنه يجمع السور فيضمها وتفسير ذلك آية في القرآن قال اللّه جلّ ثناؤه : إن علينا جمعه وقرآنه » ويستشهد عليه من كلام العرب ويدلف بعد ذلك إلى نص القرآن وما يتضمنه من فنون الكلام منبّها إلى أن القرآن يشابه في نظمه كلام العرب فيقول :« و في القرآن مثل ما في كلام العرب من وجوه الإعراب والمعاني » ويذكر تلك الوجوه مع أمثلة لها ويتعرض لها بالتفصيل منبّها وبصدد الآية قال « و من مجاز ما يقع المفعول إلى الفاعل قال : كالذي ينعق بما لا يسمع المعنى على الشاة المنعوق بها وحول على الراعي الذي ينعق بالشاة وقال : كالنهار مبصرا له مجازان أحدهما أن العرب وضعوا أشياء من كلامهم في موضع الفاعل والمعنى أنه
إعراب القرآن وبيانه، ج ١٠، ص : ٥٦٧
مفعول لأنه ظرف يفعل فيه غيره ولأن النهار لا يبصر ولكنه يبصر فيه الذي ينظر وفي القرآن : في عيشة راضية وإنما يرضى بها الذي يعيش فيها »
وخلاصة القول في كتاب المجاز أنه كان خطوة في سبيل الكلام في طرق القول أو المجاز بمعناه العام وقد حاول أن يكشف عن بعض ما جاء من ذلك في أسلوب القرآن مع مقارنته بما جاء في الأدب العربي وساعد عليه محصوله الغزير فيه.
إعراب القرآن وبيانه، ج ١٠، ص : ٥٦٨
(١٠٢) سورة التكاثر
مكيّة وآياتها ثمان
[سورة التكاثر (١٠٢) : الآيات ١ الى ٨]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ



الصفحة التالية
Icon