٥- والفن الخامس : هو الإيغال أي عدم الوقوف عند تولية الأدبار مع تمام الكلام، فأتم بما يوافق بقية الفواصل مع ما يكمل به المعنى التام.
٦- ثم جاءت الآية الثانية مكملة للفنون التي تضمنتها الآيتان وذلك على الوجه التالي :
آ- الكناية التي هي هنا عبارة عن نسبة، وقد تقدم ذكرها، وهي في ضرب الذلة والمسكنة عليهم كما يضرب البيت أو القبة على أهلهما على حد قول أبي الطيب المتنبي :
إن في ثوبك الذي المجد فيه لضياء يزري بكل ضياء
ب- الاستعارة التمثيلية في تشبيه التمسك بأسباب السلامة بالتمسك بالحبل الوثيق وقد تدلى من مكان عال، فهو آمن من مغبة السقوط والخذلان والارتطام.
إعراب القرآن وبيانه، ج ٢، ص : ٢٧
فإذا أضفنا إلى ما تقدم من فنون ما تميزت به الآيتان من « حسن الافتتان » و « جمال النسق » و « روعة العبارة » و « نصاعة البيان » تبين لك الى أي مدى وصلتا اليه من إعجاز وسمو تميز بهما كتاب اللّه العظيم.
الفوائد :
اختلف أهل العربية في المعنى الذي جلب الباء في قوله تعالى :« إلا بحبل من الله وحبل من الناس » فقال بعض نحويي الكوفة وعلى رأسهم الفراء في كتابه « معاني القرآن » : الذي جلب الباء في قوله : بحبل، فعل مضمر قد ترك ذكره. ومعنى الكلام : ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا أن يعتصموا بحبل من الله، فأضمر في ذلك. واستشهد الفراء بقول حميد بن ثور الهلالي :
رأتني بحبليها فصدت مخافة وفي الحبل روعاء الفؤاد فروق
و قال : أراد أقبلت بحبليها. ويقول أبي الطمحان القيني :
حنتني حانيات الدهر حتى كأني خاتل أدنو لصيد
قريب الخطو يحسب من رآني ولست مقيدا أني بقيد
يريد مقيدا بقيد فأوجب إعمال فعل محذوف وإظهار صلته وهو متروك، وذلك في مذاهب العربية ضعيف، ومن كلام العرب بعيد.
إلى أن يقول : وقال بعض نحويي البصرة : قوله :« إلا نحبل من الله » استثناء خارج من أول الكلام، قال الفراء : وليس ذلك بأشد
إعراب القرآن وبيانه، ج ٢، ص : ٢٨


الصفحة التالية
Icon