في هذه الآية فن من فنون البلاغة دقيق المسلك، قلّ من يتفطن اليه لأنه عميق الدلالة، لا يسبر غوره إلا الملهمون الذين أشرقت نفوسهم بضياء اليقين والإلهام، ولم يبوّب له أحد من علماء البلاغة من قبل ولكنه مندرج في سلك الإطناب من علم المعاني، وذلك في
إعراب القرآن وبيانه، ج ٢، ص : ٤٨٤
سياق قوله في صفة النبيين :« الذين أسلموا ». ومعلوم أن الإسلام من البداءة التي يفترض وجودها في الأنبياء، وهم يتساوون فيها مع أقل أتباعهم من الآحاد، ولكن كما يراد إعظام الموصوف بالصفة العظيمة يراد إعظام الصفة بموصوفها العظيم، فاذا قلت : قرأت قصيدة للمتنبي الشاعر فليس المراد أن تمدح المتنبي بالشاعرية، لأن هذه الصفة، على عظمتها، لا يتميز بها، فإن أقل شاعر يوصف بها، ولكنك تمدح الشاعرية بأن يندرج في عداد المتسمين بها هذا الشاعر العظيم، ولهذا كان القائل في مديح النبي صلى اللّه عليه وسلم محسنا غاية الإحسان :
فلئن مدحت محمدا بقصيدتي فلقد مدحت قصيدتي بمحمد
و إلا فلو اقتصرنا على جعلها للمدح كما قرر الزمخشري وغيره لخرجنا على قانون البلاغة المألوف، وهو الترقي من الأدنى الى الأعلى.
فكيف يتفق هذا مع ما ورد في القرآن لو لم يكن الغرض مدح الصفة بالموصوف، ألا ترى أن أبا الطيب المتنبي نفسه تزحزح عن مقام البلاغة الأسمى في قوله :
شمس ضحاها هلال ليلتها درّ تقاصيرها زبرجدها
فقد نزل عن الشمس الى الهلال وعن الدرّ الى الزبرجد، ومن ثم أخذ عليه النقاد القدامى هذه الهنة اليسيرة.
الفوائد :
قواعد النسبة مبسوطة في كتب النحو، ولكن هناك أسماء كثيرة
إعراب القرآن وبيانه، ج ٢، ص : ٤٨٥
الاستعمال خالفت قواعد النسبة، فأحببنا أن نورد أكثرها استعمالا ليستظهرها الأديب، فوضعنا جدولا لبعض هذه الأسماء مرتبة على حروف الهجاء :
أنافي : نسبة الى أنف كبير.
أموي : نسبة الى أمية.


الصفحة التالية
Icon