و قد ثارت مناقشة لطيفة بين الزمخشري وأبي حيان، وهذه خلاصتها : قال أبو حيّان على تضمين قفينا معنى جئنا، أي : ثم جئنا على آثارهم بعيسى بن مريم قافيا لهم. وليس التضعيف في « قفينا » للتعدية، وذلك لأن « قفا » يتعدّى لواحد، قال تعالى :« و لا تقف ما ليس لك به علم ». وتقول : قفا فلان الأثر إذا اتبعه، فلو كان التضعيف للتعدي لتعدى الى اثنين منصوبين، وكان يكون التركيب، ثم قفينا على آثارهم عيسى بن مريم، وكان يكون عيسى هو المفعول الأول، وآثارهم المفعول الثاني. لكنه ضمن معنى « جاء » وعدّي بالباء، وتعدى « الى آثارهم » بعلى. هذه خلاصة ما قاله أبو حيان، وأطال في هذه المسألة ليرد على الزمخشري ما أعربه إذ قال ما نصه :
إعراب القرآن وبيانه، ج ٢، ص : ٤٩٠
ما يقوله الزمخشري :
« قفيته مثل عقبته إذا أتبعته، ثم يقال : قفيته بفلان وعقبته به، فتعديه الى الثاني بزيادة الباء، فإن قلت : فأين المفعول الأول في الآية؟
قلت : هو محذوف، والظرف الذي هو « على آثارهم » كالساد مسدّه، لأنه إذا قفى به على أثره فقد قفى به إياه ».
استطراد أبي حيّان :
و استطرد أبو حيان في الرد على الزمخشري فقال : وكلامه يحتاج الى تأويل، وذلك أنه جعل « قفيّته » المضعف بمعنى « فقوته »، فيكون « فعّل » بمعنى « فعل »، نحو : قدّر اللّه وقدر اللّه، وهو أحد المعاني التي جاءت لها « فعل ». ثم عداه بالباء، وتعدية المتعدي لمفعول بالباء لثان قلّ أن يوجد، حتى زعم بعضهم أنه لا يوجد، ولا يجوز. فلا يقال في : طعم زيد اللحم : أطعمت زيدا باللحم، والصحيح أنه جاء على قلة، تقول : دفع زيد عمرا، ثم تعديه بالباء فتقول : دفعت زيدا بعمرو، أي جعلت زيدا يدفع عمرا. وكذلك صكّ الحجر الحجر، ثم تقول : صككت الحجر بالحجر، أي جعلته يصكّه. وأما قوله : المفعول الأول محذوف والظرف كالسّاد مسدّه، فلا يتجه. لأن المفعول هو مفعول به صريح ولا يسد الظرف مسده.