والتردد، ومنه قيل لحجر أملس يردده الماء في الوادي ضلضلة، وقد فسر الضلال في القرآن بعدم العلم بتفصيل الأمور وبالمحبة، وسيأتي ذلك في مواضعه، والجر في غير قراءة الجمهور. وروى الخليل عن ابن كثير النصب، وهي قراءة عمر، وابن مسعود، وعلي، وعبد الله بن الزبير. فالجر على البدل من الذين، عن أبي علي، أو من الضمير في عليهم، وكلاهما ضعيف، لأن غيرا أصل وضعه الوصف، والبدل بالوصف ضعيف، أو على النعت عن سيبويه، ويكون إذ ذاك غير تعرفت بما أضيفت إليه، إذ هو معرفة على ما نقله سيبويه، في أن كل ما أضافته غير محضة قد تتمحض فيتعرف إلا في الصفة المشبهة، أو على ما ذهب إليه ابن السراج، إذ وقعت غير على مخصوص لا شائع، أو على أن الذين أريد بهم الجنس لا قوم بأعيانهم. قالوا كما وصفوا المعرف بال الجنسية بالجملة، وهذا هدم لما اعتزموا عليه من أن المعرفة لا تنعت إلا بالمعرفة، ولا أختار هذا المذهب وتقرير فساده في النحو والنصب على الحال من الضمير في عليهم، وهو الوجه أو من الذين قاله المهدوي وغيره، وهو خطأ، لأن الحال من المضاف إليه الذي لا موضع له لا يجوز، أو على الاستثناء، قاله الأخفش، والزجاج وغيرهما، وهو استثناء منقطع، إذ لم يتناوله اللفظ السابق، ومنعه القراء من أجل لا في قوله ﴿وَلا الضَّآلِّينَ﴾، ولم يسوغ في النصب غير الحال، قال لأن لا تزاد إلا إذا تقدم النفي، نحو قول الشاعر :
ما كان يرضى رسول الله فعلهموالطيبان أبو بكر ولا عمر
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٤
ومن ذهب إلى الاستثناء جعل لا صلة، أي زائدة مثلها في قوله تعالى :﴿مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ﴾ وقول الراجز :
فما ألوم البيض أن لا تسخرا
وقول الأحوص :
ويلجئني في اللهو أن لا أحبهواللهو داع دائب غير غافل
قال الطبري أي أن تسخر وأن أحبه، وقال غيره معناه إرادة أن لا أحبه، فلا فيه متمكنة، يعني في كونها نافية لا زائدة، واستدلوا أيضاً على زيادتها ببيت أنشده المفسرون، وهو :
أبى جوده لا البخل واستعجلت بهنعم من فتى لا يمنع الجود قائله
وزعموا أن لا زائدة، والبخل مفعول بأبي، أي أبى جوده البخل، ولا دليل في ذلك، بل الأظهر أن لا مفعول بأبي، وأن لفظة لا لا تتعلق بها، وصار إسناداً لفظياً، ولذلك قال : واستعجلت به نعم، فجعل نعم فاعلة بقوله استعجلت، وهو إسناد لفظي، والبخل بدل من لا أو مفعول من أجله، وقيل انتصب غير بإضمار أعني وعزى إلى الخليل، وهذا تقدير سهل، وعليهم في موضع رفع بالمغضوب على أنه مفعول لم يسم فاعله، وفي إقامة الجار والمجرور مقام الفاعل، إذا حذف خلاف ذكر في النحو. ومن دقائق مسائلة مسألة يغني فيها عن خبر المبتدأ ذكرت في النحو، ولا في قوله :﴿وَلا الضَّآلِّينَ﴾ لتأكيد معنى النفي، لأن غير فيه النفي، كأنه قيل لا المغضوب عليهم ولا الضالين، وعين دخولها العطف على قوله المغضوب عليهم لمناسبة غير، ولئلا يتوهم بتركها عطف الضالين على الذين. وقرأ عمر وأبي وغير الضالين، وروي عنهما في الراء في الحرفين النصب والخفض، ويدل على أن المغضوب عليهم هم غير الضالين، والتأكيد فيها أبعد، والتأكيد في لا أقرب، ولتقارب معنى غير من معنى لا أتى الزمخشري بمسألة ليبين بها تقاربهما فقال : وتقول أنا زيداً غير ضارب، مع امتناع قولك أنا زيداً مثل ضارب، لأنه بمنزلة قولك أنا زيداً لا ضارب، يريد أن العامل إذا كان مجروراً بالإضافة فمعموله لا يجوز أن يتقدم عليه ولا على المضاف، لكنهم تسمحوا في العامل المضاف إليه غير، فأجازوا تقديم معموله على غير إجراء لغير مجرى لا، فكما أن لا يجوز تقديم معمول
٢٩
ما بعدها عليها، فكذلك غير. وأوردها الزمخشري على أنها مسألة مقررة مفروغ منها، ليقوي بها التناسب بين غير ولا، إذ لم يذكر فيها خلافاً. وهذا الذي ذهب إليه الزمخشري مذهب ضعيف جداً، بناه على جواز أنا زيداً لا ضارب، وفي تقديم معمول ما بعد لا عليها ثلاثة مذاهب ذكرت في النحو، وكون اللفظ يقارب اللفظ في المعنى لا يقضى له بأن يجري أحكامه عليه، ولا يثبت تركيب إلا بسماع من العرب، ولم يسمع أنا زيداً غير ضارب. وقد ذكر أصحابنا قول من ذهب إلى جواز ذلك وردوه، وقدر بعضهم في غير المغضوب محذوفاً، قال التقدير غير صراط المغضوب عليهم، وأطلق هذا التقدير فلم يقيده بجر غير ولا نصبه، وهذا لا يتأتى إلا بنصب غير، فيكون صفة لقوله الصراط، وهو ضعيف لتقدم البدل على الوصف، والأصل العكس، أو صفة للبدل، وهو صراط الذين، أو بدلاً من الصراط، أو من صراط الذين، وفيه تكرار الإبدال، وهي مسألة لم أقف على كلام أحد فيها، إلا أنهم ذكروا ذلك في بدل النداء، أو حالاً من الصراط الأول أو الثاني.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٤


الصفحة التالية
Icon