وقيل : أصل الرزق الحظ، ومعاني فعل كثيرة ذكر منها : الجمع، والتفريق، والإعطاء، والمنع، والامتناع، والإيذاء، والغلبة، والدفع، والتحويل، والتحول، والاستقرار، والسير، والستر، والتجريد، والرمي، والإصلاح، والتصويت. مثل ذلك : حشر، وقسم، ومنح، وغفل، وشمس، ولسع، وقهر، ودرأ، وصرف، وظعن، وسكن، ورمل، وحجب، وسلخ، وقذف، وسبح، وصرخ. وهي هنا للإعطاء نحو : نحل، ووهب، ومنح. ﴿يُنفِقُونَ﴾، الإنفاق : الإنفاذ، أنفقت الشيء وأنفذته بمعنى واحد، والهمزة للتعدية، يقال نفق الشيء نفذ، وأصل هذه المادة تدل على الخروج والذهاب، ومنه : نافق، والنافقاء، ونفق..
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٢
﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالاخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾، الذين ذكروا في إعرابه الخفض على النعت للمتقين، أو البدل والنصب على المدح على القطع، أو بإضمار أعني على التفسير قالوا، أو على موضع المتقين، تخيلوا أن له موضعاً وأنه نصب، واغتروا بالمصدر فتوهموا أنه
٣٩
معمول له عدي باللام، والمصدر هنا ناب عن اسم الفاعل فلا يعمل، وإن عمل اسم الفاعل وأنه بقي على مصدريته فلا يعمل، لأنه هنا لا ينحل بحرف مصدر وفعل، ولا هو بدل من اللفظ بالفعل بل للمتقين بتعلق بمحذوف صفة لقوله هدى، أي هدى كائن للمتقين، والرفع على القطع أي هم الذين، أو على الابتداء والخبر.
﴿أُوالَئاِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِم وَأُوالَئاِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، أولئك المتقدمة، وأولئك المتأخرة، والواو مقحمة، وهذا الأخير إعراب منكر لا يليق مثله بالقرآن، والمختار في الإعراب الجر على النعت والقطع، إما للنصب، وإما للرفع، وهذه الصفة جاءت للمدح. وقرأ الجمهور : يؤمنون بالهمزة ساكنة بعد الياء، وهي فاء الكلمة، وحذف همزة أفعل حيث وقع ذلك ورش وأبو عمر، وإذا أدرج بترك الهمز. وروي هذا عن عاصم، وقرأ رزين بتحريك الهمزة مثل : يؤخركم، ووجه قراءته أنه حذف الهمزة التي هي فاء الكلمة لسكونها، وأقر همزة أفعل لتحركها وتقدمها واعتلالها في الماضي والأمر، والياء مقوية لوصول الفعل إلى الإسم، كمررت بزيد، فتتعلق بالفعل، أو للحال فتتعلق بمحذوف، أي ملتبسين بالغيب عن المؤمن به، فيتعين في هذا الوجه المصدر، وأما إذا تعلق بالفعل فعلى معنى الغائب أطلق المصدر وأريد به اسم الفاعل، قالوا : وعلى معنى الغيب أطلق المصدر وأريد به اسم المفعول نحوه : هذا خلق لله، ودرهم ضرب الأمير، وفيه نظر لأن الغيب مصدر غاب اللازم، أو على التخفيف من غيب كلين، فلا يكون إذ ذاك مصدراً وذلك على مذهب من أجاز التخفيف، وأجاز ذلك في الغيب الزمخشري، ولا يصار إلى ذلك حتى يسمع منقلاً من كلام العرب. والغيب هنا القرآن، قاله عاصم بن أبي الجود، أو ما لم ينزل منه، قاله الكلبي، أو كلمة التوحيد وما جاء به محمد صلى الله عليه وسلّم، قاله الضحاك، أو علم الوحي، قاله ابن عباس، وزر بن حبيش، وابن جريج، وابن وافد، أو أمر الآخرة، قاله الحسن، أو ما غاب من علوم القرآن، قاله عبد الله بن هانىء، أو الله عز وجل، قاله عطاء، وابن جبير، أو ما غاب عن الحواس مما يعلم بالدلالة، قاله ابن عيسى، أو القضاء والقدر، أو معنى بالغيب بالقلوب، قاله الحسن ؛ أو ما أظهره الله على أوليائه من الآيات والكرامات، أو المهدي المنتظر، قاله بعض الشيعة، أو متعلق بما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلّم من تفسير الإيمان حين سئل عنه وهو : الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر، خيره وشره، وإياه نختار لأنه شرح حال المتقين بأنهم الذين يؤمنون بالغيب.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٢


الصفحة التالية
Icon