الفعل والترك، نحو قوله تعالى :﴿فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ﴾. فعلى هذا تكون لا على بابها للنفي، وتكون قراءة الجمهور فيها رفع الجناح في فعل الطواف نصاً، وفي هذه رفع الجناح في الترك نصاً، وكلتا القراءتين تدل على التخيير بين الفعل والترك، فليس الطواف بهما واجباً، وهو مروي عن ابن عباس، وأنس، وابن الزبير، وعطاء، ومجاهد، وأحمد بن حنبل، فيما نقل عنه أبو طالب، وأنه لا شيء على من تركه، عمداً كان أو سهواً، ولا ينبغي أن يتركه. ومن ذهب إلى أنه ركن، كالشافعي وأحمد ومالك، في مشهور مذهبه، أو واجب يجبر بالدم، كالثوري وأبي حنيفة، أو إن ترك أكثر من ثلاثة أشواط فعليه دم، أو ثلاثة فأقل فعليه لكل شوط إطعام مسكين، كأبي حنيفة في بعض الرّوايات، يحتاج إلى نص جلي ينسخ هذا النص القرآني. وقول عائشة لعروة حين قال لها : أرأيت قول الله :﴿فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾، فما نرى على أحد شيئاً ؟ فقالت : يا عرية، كلا، لو كان كذلك لقال : فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما. كلام لا يخرج اللفظ عما دل عليه من رفع الإثم عمن طاف بهما، ولا يدل ذلك على وجوب الطواف، لأن مدلول اللفظ إباحة الفعل، وإذا كان مباحاً كنت مخيراً بين فعله وتركه. وظاهر هذا الطواف أن يكون بالصفا والمروة، فمن سعى بينهما من غير صعود عليهما، لم يعد طائفاً. ودلت الآية على مطلق الطواف، لا على كيفية، ولا عدد. واتفق علماء الأمصار على أن الرّمل في السعي سنة. وروى عطاء، عن ابن عباس : من شاء سعى بمسيل مكة، ومن شاء لم يسع، وإنما يعني الرمل في بطن الوادي. وكان عمر يمشي بين الصفا والمروة وقال : إن مشيت، فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يمشي، وإن سعيت، فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يسعى. وسعى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بينهما ليرى المشركين قوته. فيحتمل أن يزول الحكم بزوال سببه، ويحتمل مشروعيته دائماً، وإن زال السبب، والركوب في السعي بينهما مكروه عند أبي حنيفة وأصحابه، ولا يجوز عند مالك الركوب في السعي، ولا في الطواف بالبيت، إلا من عذر، وعليه إذ ذاك دم. وإن طاف راكباً بغير عذر، أعاد إن كان بحضرة البيت، وإلا أهدى. وشكت أم سلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال :"طوفي من وراء الناس وأنت راكبة". ولم يجىء في هذا الحديث أنه أمرها بدم. وفرق بعض أهل العلم فقال : إن طاف على ظهر بعير أجزاه، أو على ظهر إنسان لم يجزه. وكون الضمير مثنى في قوله : بهما، لا يدل على البداءة بالصفا، بل الظاهر أنه لو بدأ بالمروة في السعي أجزأه، ومشروعية السعي، على قول كافة العلماء، البداءة بالصفا. فإن بدأ بالمروة، فمذهب مالك، ومشهور مذهب أبي حنيفة، أنه يلغي ذلك الشوط، فإن لم يفعل، لم يجزه. وروي عن أبي حنيفة أيضاً : إن لم يلغه، فلا شيء عليه، نزله بمنزلة الترتيب في أعضاء الوضوء. وقرأ الجمهور : يطوف وأصله يتطوّف، وفي الماضي كان أصله تطوف، ثم أدغم التاء في الطاء، فاحتاج إلى اجتلاب همزة الوصل، لأن المدغم في الشيء لا بدّ من تسكينه، فصار أطوف، وجاء مضارعه يطوف، فانحذفت همزة الوصل لتحصين الحرف المدغم بحرف المضارعة. وقرأ أبو حمزة : أن يطوف بهما، من طاف يطوف، وهي قراءة ظاهرة. وقرى ابن عباس وأبو السمال : يطاف بهما، وأصله : يطتوف، يفتعل، وماضيه : اطتوف افتعل، تحركت الواو، وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفاً، وأدغمت الطاء في التاء بعد قلب التاء طاء، كما قلبوا في اطلب، فهو مطلب، فصار : أطاف، وجاء مضارعه : يطاف، كما جاء يطلب : ومصدر اطوف : اطوّفا، ومصدر اطاف : اطيافاً، عادت الواو إلى أصلها، لأن موجب إعلالها قد زال، ثم قلبت ياء لكسرة ما قبلها، كما قالوا : اعتدا اعتياداً، وأن يطوف أصله، في أن يطوف، أي لا إثم عليه في الطواف بهما، فحذف الحرف مع أن، وحذفه قياس معها إذا لم يلبس، وفيه الخلاف السابق، أموضعها بعد الحذف
٤٥٧
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٥٣
جر أم نصب ؟ وجوّز بعض من لا يحسن علم النحو أن يكون : أن يطوّف، في موضع رفع، على أن يكون خبراً أيضاً، قال التقدير : فلا جناح الطواف بهما، وأن يكون في موضع نصب على الحال، والتقدير : فلا جناح عليه في حال تطوّفه بهما، قال : والعامل في الحال العامل في الجر، وهي حال من الهاء في عليه. وهذان القولان ساقطان، ولولا تسطيرهما في بعض كتب التفسير لما ذكرتهما.


الصفحة التالية
Icon