محذوف، على رأي جمهور المعربين، التقدير : على الأول يحبونهموه، أي الحب مشبهاً حب الله، وعلى الثاني تقديره : حباً مثل حب الله، والمصدر مضاف للمفعول المنصوب، والفاعل محذوف، التقدير : كحبهم الله، أو كحب المؤمنين الله، والمعنى أنهم سوّوا بين الحبين، حب الأنداد وحب الله. وقال ابن عطية : حب : مصدر مضاف إلى المفعول في اللفظ، وهو على التقدير مضاف إلى الفاعل المضمر، تقديره : كحبكم الله، أو كحبهم، حسبما قدر كل وجه منهما فرقة. انتهى كلامه. فقوله : مضاف إلى الفاعل المضمر، لا يعني أن المصدر أضمر فيه الفاعل، وإنما سماه مضمراً لما قدره كحبكم أو كحبهم، فأبرزه مضمراً حين أظهر تقديره، أو يعني بالمضمر المحذوف، وهو موجود في اصطلاح النحويين، أعني أن يسمى الحذف إضماراً. وإنما قلت ذلك، لأن من النحويين من زعم أن الفاعل مع المصدر لا يحذف، وإنما يكون مضمراً في المصدر. وردّ ذلك بأن المصدر هو اسم جنس، كالزيت والقمح، وأسماء الأجناس لا يضمر فيه. وقال الزمخشري : كحب الله : كتعظيم الله والخضوع له، أي كما يحب الله، على أنه مصدر من المبني للمفعول، وإنما استغنى عن ذكر من يحبه، لأنه غير ملبس. وقيل : كحبهم الله، أي يسوون بينه وبينه في محبتهم، لأنهم كانوا يقرون بالله ويتقربون إليه، ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِى الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾. انتهى كلامه. واختار كون المصدر مبنياً للمفعول الذي لم يسم فاعله، وهي مسألة خلاف. أيجوز أن يعتقد في المصدر أنه مبني للمفعول ؟ فيجوز : عجبت من ضرب زيد، على أنه مفعول لم يسم فاعله، ثم يضاف إليه، أم لا يجوز ذلك ؟ فيه ثلاثة مذاهب، يفصل في الثالث بين أن يكون المصدر من فعل لم يبن إلا للمفعول نحو : عجبت من جنون بالعلم زيد، لأنه من جننت التي لم تبن إلا للمفعول الذي لم يسم فاعله، أو من فعل يجوز أن يبنى للفاعل، ويجوز أن يبنى للمفعول فيجوز في الأول، ويمتنع في الثاني، وأصحها المنع مطلقاً. وتقرير هذا كله في النحو. وقد رد الزجاج قول من قدر فاعل المصدر المؤمنين، أو ضميرهم، وهو مروي عن ابن عباس، وعكرمة، وأبي العالية، وابن زيد، ومقاتل، والفراء، والمبرد، وقال : ليس بشيء، والدليل على نقضه قوله تعالى بعد :﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ﴾، ورجح أن يكون فاعل المصدر ضمير المتخذين، أي يحبون الأصنام كما يحبون الله، لأنهم أشركوها مع الله تعالى، فسووا بين الله وبين أوثانهم في المحبة على كمال قدرته ولطيف فطرته وذلة الأصنام وقلتها. وقرأ أبو رجاء العطاردي : يحبونهم، بفتح الياء، وهي لغة، وفي المثل السائر : من حب طبّ، وجاء مضارعه على يحب، بكسر العين شذوذاً، لأنه مضاعف متعد، وقياسه أن يكون مضموم العين نحو : مده يمده، وجر يجره.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٥٣
﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ﴾ : قال الراغب : الحب أصله من المحبة، حببته : أصبت حبة قلبه، وأصبته بحبة القلب، وهي في اللفظ فعل، وفي الحقيقة انفعال. وإذا استعمل في الله، فالمعنى : أصاب حبة قلب عبده، فجعلها مصونة عن الهوى والشيطان وسائر أعداء الله. انتهى. وقال عبد الجبار : حب العبد لله : تعظيمه والتمسك بطاعته، وحب الله العبد : إرادة الثناء عليه وإثابته. وأصل الحب في اللغة : اللزوم، لأن المحب يلزم حبيبه ما أمكن. اهـ. والمفضل عليه محذوف، وهم المتخذون الأنداد، ومتعلق الحب الثاني فيه خلاف. فقيل : معنى أشد حباً لله : أي منهم لله، لأن حبهم لله بواسطة، قاله الحسن ؛ أو منهم لأوثانهم، قاله غيره. ومقتضى التمييز بالأشدية، إفراد المؤمنين له بالمحبة، أو لمعرفتهم بموجب الحب، أو لمحبتهم إياه بالغيب، أو لشهادته تعالى لهم بالمحبة، إذ قال تعالى :﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُا﴾، أو لإقبال المؤمن على ربه في السراء والضراء والشدة والرخاء، أو لعدم انتقاله عن مولاه ولا يختار عليه سواه، أو لعلمه بأن الله خالق الصنم وهو الضارّ النافع، أو لكون حبه بالعقل والدليل، أو لامتثاله أمره حتى في القيامة حين يأمرالله تعالى من عبده لا يشرك به شيئاً أن يقتحم النار، فيبادرون إليه،
٤٧٠
فتبرد عليهم النار، فينادي مناد تحت العرش :﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ﴾، ويأمر من عبد الأصنام أن يدخل معهم النار فيجزعون، قاله ان جبير. تسعة أقوال ثبتت نقائضها ومقابلاتها لمتخذ الأنداد. وهذه كلها خصائص ميز الله بها المؤمنين في حبه على الكافرين، فذكر كل واحد من المفسرين خصيصيه. والمجموع هو المقتضى لتمييز الحب، فلا تباين بين الأقوال على هذا، لأن كل قول منها ليس على جهة الحصر فيه، إنما هو مثال من أمثلة مقتضى التمييز.


الصفحة التالية
Icon