وهو قول أبي الحسن الأخفش، وأبي العباس المبرد، وتقديره : على قراءة ولو ترى بالخطاب، لاستعظمت ما حل بهم، وعلى قراءة ولو يرى للغائب، فإن كان فيه ضمير السامع كان التقدير : لاستعظم ذلك، وإن كان الذين ظلموا هو الفاعل، كان التقدير : لاستعظموا ما حل بهم. وإذا كان الجواب مقدراً آخر الكلام، وكانت أن مفتوحة، فتوجيه فتحها على تقديرين : أحدهما أن تكون معمولة ليرى في قراءة من قرأ بالياء، أي ولو رأى الذين ظلموا أن القوة لله جميعاً. وأما من قرأ بالتاء، فتكون أن مفعولاً من أجله، أي لأن القوة لله جميعاً، ومن كسر إن مع قراءة التاء في ترى، وقدر الجواب آخر الكلام، فهي، وإن كانت مكسورة على معنى المفتوحة، دالة على التعليل، تقول : لا تهن زيداً إنه عالم، ولا تكرم عمراً إنه جاهل، فهي على معنى المفتوحة من التعليل، وتكون هذه الجملة كأنها معترضة بين لو وجوابها المحذوف. وأما قراءة بالياء من أسفل وكسر الهمزتين، فيحتمل أن تكون معمولة لقول محذوف هو جواب لو، أي لقالوا إن القوة، أو على سبيل الاستئناف والجواب محذوف، أي لاستعظموا ذلك، ومفعول : ترى محذوف، أي ولو رأى الظالمون حالهم. وترى في قوله : ولو ترى، يحتمل أن تكون بصرية، وهو قول أبي علي، ويحتمل أن تكون عرفانية. وإذا جعلت أن معمولة ليرى، جاز أن تكون بمعنى علم التعدية إلى اثنين، سدت أن مسدهما، على مذهب سيبويه. والذين ظلموا، إشارة إلى متخذي الأنداد، ونبه على العلية، أو يكون عاماً، فيندرج فيه هؤلاء وغيرهم من الكفار. ولكن سياق ما بعده يرشد إلى أنهم متخذو الأنداد. وقراءة ابن عامر : إذ يرون، مبنياً للمفعول، هو من أريت المنقولة من رأيت، بمعنى أبصرت. ودخلت إذ، وهي للظرف الماضي، في أثناء هذه المستقبلات، تقريباً للأمر وتصحيحاً لوقوعه، كما يقع الماضي المستقبل في قوله :﴿وَنَادَى أَصْحَـابُ النَّارِ﴾، وكما جاء :
بقيت وفري وانحرفت عن العلىولقيت أضيافي بوجه عبوس
لأنه علق ذلك على مستقبل، وهو قوله :
إن لم أشن على ابن هند غارةلم تخل يوماً من نهاب نفوس
وحذف جواب لو، لفهم المعنى، كثير في القرآن، وفي لسان العرب. قال تعالى :﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ﴾، ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ﴾، ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْءَانًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ﴾، وقال امرؤ القيس :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٥٣
وجدك لو شيء أتانا رسولهسواك ولكن لم نجد لك مدفعا
هذا ما يقتضيه البحث في هذه الآية من جهة الإعراب، ونحن نذكر من كلام المفسرين. قال عطاء : المعنى : ولو يرى الذين ظلموا يوم القيامة، إذ يرون العذاب حين تخرج إليهم جهنم من مسيرة خمسمائة عام تلتقطهم كما يلتقط الحمام الحبة، لعلموا أن القوة والقدرة لله جميعاً. وقيل : لو يعلمون في الدنيا ما يعلمونه، إذ يرون العذاب، لأقروا بأن القوّة لله جميعاً، أي لتبرؤوا من الأنداد، والثانية من رؤية العين. وقال التبريزي : لو اعتقدوا أن الله يقدر ويقوى على تعذيبهم يوم القيامة، لامتنعوا عما يوجب الجزاء بالعذاب. وقال الزمخشري : ولو يعلم هؤلاء الذين ارتكبوا الظلم العظيم بشركهم، أن القدرة كلها لله على كل شيء من العقاب والثواب دون أندادهم، ويعلمون شدّة عقابه للظالمين، إذ عاينوا العذاب يوم القيامة، لكان منهم ما لا يدخل تحت الوصف من الندم والحسرة
٤٧٢
ووقوع الظلم بظلمهم وضلالهم. انتهى كلامه. وحكى الراغب : أن بعضهم زعم أن القوة بدل من الذين، قال : وهو ضعيف. انتهى. ويصير المعنى : ولو ترى قوة الله وقدرته على الذين ظلموا. وقال في المنتخب : قراءة الياء عند بعضهم أولى من قراءة التاء، لأن النبي صلى الله عليه وسلّم والمسلمين قد علموا قدر ما يشاهده الكفار ويعاينونه من العذاب يوم القيامة، أما المتوعدون فإنهم لم يعلموا ذلك، فوجب إسناد الفعل إليهم. انتهى. ولا فرق عندنا بين القراءتين، أعني التاء والياء، لأنهما متواترتان. وانتصاب جميعاً على الحال من الضمير المستكن في العامل في الجار والمجرور. والقوة هنا مصدر أريد به الجنس، التقدير : أن القوى مستقرة لله جميعاً، ولا يجوز أن تكون حالاً من القوة، لأن العامل في القوة أن، وأن لا تعمل في الأحوال. وهذا التركيب أبلغ هنا من أن لو قلت : إن الله قوي، إذ تدل هنا على الإخبار عنه بهذا الوصف. وأن القوة لله تدل على أن جميع أنواع القوى ثابتة مستقرة له تعالى، وتأخر وصفه تعالى بأنه شديد العذاب عن ذلك، لأن شدة العذاب هي من آثار القوة.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٥٣


الصفحة التالية
Icon