جملة، لأن غاية الفساد في الالتزام أن يقولوا : نتبع آباءنا ولو كانوا لا يعقلون، فقرروا على التزام هذا، أي هذه حال آبائهم. انتهى كلامه. وظاهر قول الزمخشري أن الواو للحال، مخالف لقول ابن عطية إنها للعطف، لأن واو الحال ليست للعطف. والجمع بينهما أن هذه الجملة المصحوبة بلو في مثل هذا السياق، هي جملة شرطية. فإذا قال : اضرب زيداً ولو أحسن إليك، المعنى : وإن أحسن، وكذلك : اعطوا السائل ولو جاء على فرس ؛ ردّوا السائل ولو بشق تمرة، المعنى فيها : وإن. وتجيء لو هنا تنبيهاً على أن ما بعدها لم يكن يناسب ما قبلها، لكنها جاءت لاستقصاء الأحوال التي يقع فيها الفعل، ولتدل على أن المراد بذلك وجود الفعل في كل حال، حتى في هذه الحال التي لا تناسب الفعل. ولذلك لا يجوز : اضرب زيداً ولو أساء إليك، ولا أعطوا السائل ولو كان محتاجاً، ولا ردوا السائل ولو بمائة دينار. فإذا تقرر هذا، قالوا وفي ولو في المثل التي ذكرناها عاطفة على حال مقدرة، والعطف على الحال حال، فصح أن يقال : إنها للحال من حيث أنها عطفت جملة حالية على حال مقدرة. والجملة المعطوفة على الحال حال، وصح أن يقال : إنها للعطف من حيث ذلك العطف، والمعنى : والله أعلم إنكار اتباع آبائهم في كلّ حال، حتى في الحالة التي لا تناسب أن يتبعوا فيها، وهي تلبسهم بعدم العقل وعدم الهداية. ولذلك لا يجوز حذف هذه الواو الداخلة على لو، إذا كانت تنبيهاً على أن ما بعدها لم يكن يناسب ما قبلها. وإن كانت الجملة الواقعة حالاً فيها ضمير يعود على ذي الحال، لأن مجيئها عارية من الواو يؤذن بتقييد الجملة السابقة بهذه الحال، فهو ينافي استغراق الأحوال حتى هذه الحال. فهما معنيان مختلفان، والفرق ظاهر بين : أكرم زيداً لو جفاك، أي إن جفاك، وبين أكرم زيداً ولو جفاك. وانتصاب شيئاً على وجهين : أحدهما : على المفعول به فعم جميع المعقولات، لأنها نكرة في سياق النفي فتعم، ولا يمكن أن يكون المراد نفي الوحدة فيكون المعنى لا يعقلون شيئاً بل أشياء. والثاني : أن يكون منصوباً على المصدر، أي شيئاً من العقل، وإذا انتفى، انتفى سائر العقول، وقدم نفي العقل، لأنه الذي تصدر عنه جميع التصرّفات، وأخر نفي الهداية، لأن ذلك مترتب على نفي العقل، لأن الهداية للصواب هي ناشئة عن العقل، وعدم العقل عدم لها.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٧٧
﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِى يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلا دُعَآءً وَنِدَآءًا صُمُّا بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ﴾ : لما ذكر تعالى أن هؤلاء الكفار، إذا أمروا باتباع ما أنزل الله، أعرضوا عن ذلك ورجعوا إلى ما ألفوه من اتباع الباطل الذي نشؤوا عليه ووجدوا عليه آباءهم، ولم يتدبروا ما يقال لهم، وصموا عن سماع الحق، وخرسوا عن النطق به، وعموا عن إبصار النور الساطع النبوي. ذكر هذا التشبيه العجيب في هذه الآية منبهاً على حالة الكافر في تقليده أباه ومحقراً نفسه، إذ صار هو في رتبة البهيمة، أو في رتبة داعيها، على الخلاف الذي سيأتي في هذا التشبيه.
وهذه الآية لا بد في فهم معناها من تقدير محذوف. واختلفوا، فمنهم من قال : المثل مضروب بتشبيه الكافر بالناعق. ومنهم من قال : هو مضروب بتشبيه الكافر بالمنعوق به، ومنهم من قال : هو مضروب بتشبيه داعي الكافر بالناعق، ومنهم من قال : هو مضروب بتشبيه الداعي والكافر بالناعق والمنعوق به. فعلى أن المثل مضروب بتشبيه الكافر بالناعق، قيل : يكون التقدير : ومثل الذين كفروا في قلة فهمهم وعقلهم، كمثل الرّعاة يكلمون البهم، والبهم لا تعقل شيئاً. وقيل : يكون التقدير : ومثل الذين كفروا في دعائهم آلهتهم التي لا تفقه دعاءهم، كمثل الناعق بغنمه، فلا ينتفع من نعيقه بشيء غير أنه في عناء ونداء، وكذلك الكافر ليس له من دعائه الآلهة وعبادته الأوثان إلا العناء. قال الزمخشري : وقد ذكر هذا القول، إلا أن قوله :﴿إِلا دُعَآءً وَنِدَآءً﴾ لا يساعد عليه، لأن الأصنام لا تسمع شيئاً. انتهى كلامه. ولحظ الزمخشري في هذا القول تمام التشبيه من كلّ جهة، فكما
٤٨١


الصفحة التالية
Icon