جزء : ١ رقم الصفحة : ١٤
ومن قرأ بجر الكاف فعلى معنى الصفة، فإن كان بلفظ ملك على فعل بكسر العين أو إسكانها، أو مليك بمعناه فظاهر لأنه وصف معرفة بمعرفة، وإن كان بلفظ مالك أو ملاك أو مليك محولين من مالك للمبالغة بالمعرفة، ويدل عليه قراءة من قرأ ملك يوم الدين فعلاً ماضياً، وإن كان بمعنى الاستقبال، وهو الظاهر لأن اليوم لم يوجد فهو مشكل، لأن اسم الفاعل إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال، فإنه تكون إضافته غير محضة فلا يتعرف بالإضافة، وإن أضيف إلى معرفة فلا يكون إذ ذاك صفة، لأن المعرفة لا توصف بالنكرة ولا بدل نكرة من معرفة، لأن البدل بالصفات ضعيف. وحل هذا الإشكال هو أن اسم الفاعل، إن كان بمعنى الحال أو الاستقبال، جاز فيه وجهان : أحدهما ما قدمناه من أنه لا يتعرف بما أضيف إليه، إذ يكون منوياً فيه الانفصال من الإضافة، ولأنه عمل النصب لفظاً. الثاني : أن يتعرف به إذا كان معرفة، فيلحظ فيه أن الموصوف صار معروفاً بهذا الوصف، وكان تقييده بالزمان غير معتبر، وهذا الوجه غريب النقل، لا يعرفه إلا من له اطلاع على كتاب سيبويه وتنقيب عن لطائفه. قال سيبويه، رحمه الله تعالى، وزعم يونس والخليل أن الصفات المضافة التي صارت صفة للنكرة قد يجوز فيهن كلهن أن يكن معرفة، وذلك معروف في كلام العرب، انتهى. واستثنى من ذلك باب الصفة المشبهة فقط، فإنه لا يتعرف بالإضافة نحو حسن الوجه. ومن رفع الكاف ونون أو لم ينون فعلى القطع إلى الرفع. ومن نصب فعلى القطع إلى النصب، أو على النداء والقطع أغرب لتناسق الصفات، إذ لم يخرج بالقطع عنها. ومن قرأ ملك فعلاً ماضياً فجملة خبرية لا موضع لها من الإعراب، ومن أشبع كسرة الكاف فقد قرأبنا درأ وبما ذكر أنه لا يجوز إلا في الشعر، وإضافة الملك أو الملك إلى يوم الدين إنما هو من باب الاتساع، إذ متعلقهما غير اليوم. والإضافة على معنى اللام، لا على معنى في، خلافاً لمن أثبت الإضافة بمعنى في، ويبحث في تقرير هذا في النحو،
٢١
وإذا كان من الملك كان من باب. طباخ ساعات الكرى زاد الكسل.
وظاهر اللغة تغاير الملك والمالك كما تقدم، وقيل هما بمعنى واحد كالفره والغاره، فإذا قلنا بالتغاير فقيل مالك أمدح لحسن إضافته إلى من لا تحسن إضافة الملك إليه، نحو مالك الجن والإنس، والملائكة والطير، فهو أوسع لشمول العقلاء وغيرهم، قال الشاعر :
سبحان من عنت الوجوه لوجههملك الملوك ومالك العفر
قال الأخفش، ولا يقال هنا ملك، ولقولهم مالك الشيء لمن يملكه، وقد يكون ملكاً لا مالكاً نحو ملك العرب والعجم، قاله أبو حاتم، ولزيادته في البناء، والعرب تعظم بالزيادة في البناء، وللزيادة في أجزاء الثاني لزيادة الحروف، ولكثرة من عليها من القراء، ولتمكن التصرف ببيع وهبة وتمليك، ولإبقاء الملك في يد المالك إذا تصرف بجور أو اعتداء أو سرف، ولتعينه في يوم القيامة، ولعدم قدرة الملوك على انتزاعه من الملك، ولكثرة رجائه في سيده بطلب ما يحتاج إليه، ولوجوب خدمته عليه، ولأن المالك يطمع فيه، والملك يطمع فيك، ولأن له رأفة ورحمة، والملك له هيبة وسياسة. وقيل ملك أمدح وأليق إن لم يوصف به الله تعالى لإشعاره بالكثرة ولتمدحه بمالك الملك، ولم يقل مالك الملك، ولتوافق الابتداء والاختتام في قوله ﴿مَلِكِ النَّاسِ﴾، والاختتام لا يكون إلا بأشرف الأسماء، ولدخول المالك تحت حكم الملك، ولوصفه نفسه بالملك في مواضع، ولعموم تصرفه فيمن حوته مملكته، وقصر الملك على ملكه، قاله أبو عبيدة، ولعدم احتياج الملك إلى الإضافة، أو مالك لا بد له من الإضافة إلى مملوك، ولكنه أعظم الناس، فكان أشرف من المالك.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٤
قال أبو علي : حكى ابن السراج عمن اختار قراءة ملك كل شيء بقوله ﴿رَبِّ الْعَـالَمِينَ﴾، فقراءة مالك تقرير، قال أبو علي، ولا حجة في هذا، لأن في التنزيل تقدم العام، ثم ذكر الخاص منه ﴿الْخَـالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ﴾، فالخالق يعم، وذكر المصور لما في ذلك من التنبيه على الصنعة ووجوه الحكمة، ومنه ﴿وَبِالاخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾، بعد قوله ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾، وإنما كرر تعظيماً لها، وتنبيهاً على وجوب اعتقادها، والرد على الكفرة الملحدين، ومنه الرحمن الرحيم، ذكر الرحمن الذي هو عام، وذكر الرحيم بعده لتخصيص الرحمة بالمؤمنين في قوله ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾، انتهى. وقال ابن عطية : وأيضاً فإن الرب يتصرف في كلام العرب بمعنى الملك، كقوله :
ومن قبل ربيتني فصفت ربوب


الصفحة التالية
Icon