وتظاهرت الروايات أن جميع الكفار ببدر كانوا نحو الألف أو تسعمائة، والمؤمنين ثلثمائة وأربعة عشر. وقيل : وثلاثة عشرة، لكن رجع بنو زهرة مع الأخنس بن شريق، ورجع طالب بن أبي طالب وأتباع، وناس كثير
٣٩٥
حتى بقي للقتال من بقرب من الثلثين، فذكر الله المثلين، إذ أمرهما متيقن لم يدفعه أحد. وحكي عن ابن عباس : أن المشركين كانوا في قتال بدر ستمائة وستة وعشرين، وقد ذهب الزجاج وغيره إلى أنهم كانوا نحو الألف.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال :"يوم بدر القوم ألف". وقال ابن عباس : نظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعفون علينا، ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلاً واحداً. وقال في رواية : لقد قللوا في أعيننا حتى لقد قلت لرجل إلى جانبي تراهم سبعين ؟ قال : أراهم مائة. فأسرنا منهم رجلاً فقلنا : كم كنتم ؟ قال : ألفاً. ونقل أن المشركين لما أسروا، قالوا للمسلمين : كم كنتم ؟ قالوا : كنا ثلاثمائة وثلاثة عشرة، قالوا : ما كنا نراكم إلاّ تضعفون علينا وتكثير كل طائفة في عين الأخرى، وتقليلها بالنسبة إلى وقتين جائز، فلا يمتنع.
﴿وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِا مَن يَشَآءُ﴾ أي : يقويه بعونه. وقيل : النصر الحجة. ونسبة التأييد إليه يدل على أن المؤيد هم المؤمنون، ومفعول : من يشاء، محذوف أي : من يشاء نصره.
﴿إِنَّ فِى ذَالِكَ﴾ أي : النصر. وقيل : رؤية الجيش مثليهم ﴿لَعِبْرَةً﴾ أي اتعاظاً ودلالة. ﴿لاوْلِى الابْصَـارِ﴾ إن كانت الرؤية بصرية، فالمعنى : للذين أبصروا الجمعين، وإن كانت اعتقادية، فالمعنى : لذوي العقول السليمة القابلة للاعتبار.
﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَآءِ وَالْبَنِينَ﴾ قرأ الجمهور : زين مبنياً للمفعول، والفاعل محذوف، فقيل : هو الله تعالى، قاله عمر، لأنه قال حين نزلت : الآن يا رب حين زينتها، فنزلت ﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم﴾ الآية، ومعنى التزيين : خلقها وإنشاء الجبلة على الميل إليه، وهذا كقوله :﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الارْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ﴾ فزينها تعالى للابتلاء، ويدل عليه قراءة : زين للناس حب، مبنياً للفاعل، وهو الضمير العائد على الله في قوله :﴿وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ﴾.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٩١
وقيل : المزين الشيطان، وهو ظاهر قول الحسن، قال : من زينها : ما أحد أشد ذماً لها من خالقها ويصح إسناد التزيين إلى الله تعال بالإيجاد والتهيئة للانتفاع، ونسبته إلى الشيطان بالوسوسة، وتحصيلها من غير وجهها. وأشارت الآية إلى توبيخ معاصري رسول الله صلى الله عليه وسلّم من اليهود وغيرهم، المفتونين بالدنيا، وأضاف المصدر إلى المفعول، وهو الكثير في القرآن، وعبر عن المشتهيات : بالشهوات، مبالغة. إذ جعلها نفس الأعيان، وتنبيهاً على خستها، لأن الشهوة مسترذلة عند العقلاء، يذم متبعها ويشهد له بالانتظام في البهائم، وناهيك لها ذماً قوله صلى الله عليه وسلّم :"حفت النار بالشهوات وحفت الجنة بالمكاره" وأتى بذكر الشهوات أولاً مجموعة على سبيل الإجمال، ثم أخذ في تفسيرها شهوة شهوة ليدل على أن المزين ما هو إلاّ شهوة دنيوية لا غير، فيكون في ذلك تنفير عنها، وذم لطالبها وللذي يختارها على ما عند الله، وبدأ في تفصيلها بالأهم فالأهم، بدأ بالنساء لأنهنّ حبائل الشيطان وأقرب وأكثر امتزاجاً :"ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم منكنّ". ويقال ؛ فيهنّ فتنتان : قطع الرحم وجمع المال من الحلال والحرام، وفي البنين فتنة واحدة وهي جمع المال.
وثنى بالبنين لأنهم من ثمرات النساء، وفروع عنهنّ، وشقائق النساء في الفتن، الولد مبخلة مجبنة :
وإنما أولادنا بينناأكبادنا تمشي على الأرض
لو هبت الريح على بعضهملامتنعت عيني من الغمض
وقدّموا على الأموال لأن حب الإنسان ولده أكثر من حبه ماله، وحيث ذكر الامتنان والإنعام أو الاستعانة والغلبة. قدمت الأموال على الأولاد.
وظاهر قوله : والبنين، الذكران. وقيل يشمل : الإناث، وغلب التذكير.
﴿وَالْقَنَـاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ﴾ ثلث بالأموال
٣٩٦
لما في المال من الفتنة، ولأنه يحصل به غالب الشهوات، ولأن المرء يرتكب الأخطار في تحصيله للولد.
واختلف في : القنطار، أهو عدد مخصوص، أم ليس كذلك ؟ فقيل : ألف ومائتا أوقية، وقيل : اثنا عشر ألف أوقية، وقيل : ألف ومائتا دينار. وكل هذه رويت عن النبي صلى الله عليه وسلّم : الأول : رواه أبيّ، وقال به معاذ، وابن عمر، وعاصم بن أبي النجود، والحسن في رواية. والثاني : رواه أبو هريرة وقال به. والثالث : رواه الحسن، ورواه العوفي عن ابن عباس.
وقيل : اثنا عشر ألف درهم، أو ألف دينار ذهباً، وروي عن ابن عباس، وعن الحسن، والضحاك.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٩١


الصفحة التالية
Icon