وذكروا في هذه الآية أنواعاً من الفصاحة والبلاغة : الخطاب العام : ويراد به الخاص في قوله :﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ على قول عامّة المفسرين هم اليهود، وهذا من تلوين الخطاب. والتجنيس المغاير : في ﴿يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْىَ الْعَيْنِ﴾ والاحتراس : في ﴿رَأْىَ الْعَيْنِ﴾ قالوا لئلا يعتقد أنه من رؤية القلب، فهو من باب الحزر وغلبة الظن. والإبهام : في ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ﴾. والتجنيس المماثل : في ﴿وَالْقَنَـاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ﴾. والحذف : في مواضع، وهي كل موضع يضطر فيه إلى تصحيح المعنى بتقدير محذوف.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٩١
الرضوان : مصدر رضي، وكسر رائه لغة الحجاز، وضمها لغة تميم وبكر، وقيس، وغيلان. وقيل : الكسر للأسم، ومنه : رِضوان خازن الجنة، والضم للمصدر.
السحر : بفتح الحاء وسكونها، قال قوم منهم الزجاج : الوقت قبل طلوع الفجر، ومنه يقال : تسحر أكل في ذلك الوقت، واستحر : سار فيه قال.
بكرن بكوراً واستحرت بسحرةفهنّ لوادي الرس كاليد للفم
واستحر الطائر صالح وتحرك فيه قال :
يعل به برد أنيابها ذا غرّد الطائر المستحر
وأسحر الرجل واسثحر دخل في السحر قال :
وأدلج من طيبة مسرعافجاء إلينا وقد أسحرا
وقال بعض اللغويين السحر : من ثلث الليل الآخر إلى الفجر، وجاء في بعض الأشعار عن العرب أن السحر يستمر حكمه فيما بعد الفجر. وقيل : السحر عند العرب بكون من آخر الليل ثم يستمر إلى الإسفار. وأصل السحر الخفاء للطفة، ومنه السحر والسحر.
٣٩٨
﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَالِكُمْ﴾ نزلت حين قال عمر عندما نزل :﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ﴾ يا رب الآن حين زينتها. ولما ذكر تعالى أن ﴿عِندَه حُسْنُ الْمَاَابِ﴾ ذكر المآب وأنه خير من متاع الدنيا، لأنه خير خال من شوب المضار، وباق لا ينقطع. والهمزة في : أؤنبئكم، الأولى همزة الاستفهام دخلت على همزة المضارعة وقرىء في السبعة بتحقيق الهمزتين من غير ادخال ألف بينهما، وبتحقيقهما، وادخال ألف بينهما، وبتسهيل الثانية من غير ألف بينهما. ونقل ورش الحركة إلى اللام، وحذف الهمزة. وبتسهيلها وإدخال ألف بينهما.
وفي هذه الآية تسلية عن زخارف الدنيا، وتقوية لنفوس تاركها وتشريف الالتفات من الغيبة إلى الخطاب، ولما قال : ذلك متاع، فأفرد، جاء : بخير من ذلكم، فأفرد اسم الإشارة، وإن كان هناك مشاراً به إلى ما تقدّم ذكره، وهو كثير. فهذا مشار به إلى ما أشير بذلك، و: خير، هنا أفعل التفضيل، ولا يجوز أن يراد به خير من الخيور، ويكون : من ذلكم، صفة لما يلزم في ذلك من أن يكون ما رغبوا فيه بعضاً مما هدوا فيه.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٩٨
﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّـاتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَارُ﴾ يحتمل أن يكون للذين متعلقاً بقوله : بخير من ذلكم، و: جنات، خبر مبتدأ محذوف أي : هو جنات، فتكون ذلك تبييناً لما أبهم في قوله : بخير من ذلكم ويؤيد ذلك قراءة يعقوب : جنات، بالجر بدلاً من : بخير، كما تقول : مررت برجل زيد، بالرفع و: زيد بالجر، وجوّز في قراءة يعقوب أن يكون : جنات، منصوباً على إضمار : أعني، ومنصوباً على البدل على موضع بخير، لأنه نصب. ويحتمل أن يكون : للذين، خبرا لجنات، على أن تكون مرتفعة على الإبتداء، ويكون الكلام تم عند قوله : بخير من ذلكم، ثم بين ذلك الخير لمن هو، فعلى هذا العامل في : عند ربهم، العامل في : للذين، وعلى القول الأول العامل فيه قوله : بخير.
﴿خَـالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ﴾ تقدّم تفسير هذا وما قبله.
﴿وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ﴾ بدأ أولاً بذكر المقر، وهو الجنات التي قال فيها ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الانفُسُ وَتَلَذُّ الاعْيُنُ﴾ "فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" ثم انتقل من ذكرها إلى ذكر ما يحصل به الأنس التامّ من الأزواج المطهرة، ثم انتقل من ذلك إلى ما هو أعظم الأشياء وهو رضا الله عنهم، فحصل بمجموع ذلك اللذة الجسمانية والفرح الروحاني، حيث علم برضا الله عنه، كما جاء في الحديث أنه تعالى :"يسأل أهل الجنة هل رضيم ؟ فيقولون : ما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك ؟ فيقول : ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ فيقولون : يا رب وأي شيء أفضل من ذلك ؟ قال : أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبدا.
ففي هذه الآية الإنتقال من عال إلى أعلى منه، ولذلك جاء في سورة براءة، قد ذكر تعالى الجنات والمساكن الطيبة فقال :﴿وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ يعنى أكبر مما ذكر من ذكر من الجنات والمساكن. وقال الماتريدي : أهل الجنة مطهرون لأن العيوب في الأشياء علم الفناء، وهم خلقوا للبقاء، وخص النساء بالطهر لما فيهنّ في الدنيا من فضل المعايب والأذى.
وقال أبو بكر : ورضوان، بالضم حيث وقع إلاَّ في ثاني العقود، فعنه خلاف. وباقي السبعة بالكسر، وقد ذكرنا أنهما لغتان.