جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٠٧
وأما على قراءة ابن عباس فكذلك نقول، ولا نجعل : أن الدين معمولاً : لشهد، كما فهموا، وأن : أنه لا إله إلاَّ هو، اعتراض، وأنه بين المعطوف والحال وبين : أن الدين، اعتراض آخر، أو اعتراضان، بل نقول : معمول : شهد، إنه بالكسر على تخريج من خرج أن شهد، لما كان بمعنى القول كسر ما بعدها إجراءً لها مجرى القول، أو نقول : إنه معمولها، وعلقت ولم تدخل اللام في الخبر لأنه منفي بخلاف أن لو كان مثبتاً، فإنك تقول : شهدت إن زيداً لمنطلق، فيعلق بأن مع وجود اللام لأنه لو لم تكن اللام لفتحت أن فقلت : شهدت أن زيداً منطلق، فمن قرأ بفتح : أنه، فإنه لم ينو التعليق، ومن كسر فإنه نوى التعليق. ولم تدخل اللام في الخبر لأنه منفي كما ذكرنا.
والإسلام : هنا الإيمان والطاعات، قاله أبو العالية، وعليه جمهور المتكلمين، وعبر عنه قتادة، ومحمد بن جعفر بن الزبير بالإيمان ومرادهما أنه مع الأعمال. وقرأ عبد الله : إن الدين عند الله الحنيفية.
قال ابن الإنباري : ولا يخفي على ذي تمييز أن هذا كلام من النبي صلى الله عليه وسلّم على جهة التفسير، أدخله بعض من ينقل الحديث في القراءات، وقد تقدّم الكلام في الإسلام والإيمان : أهما شيء واحد أهم هما مختلفان ؟ والفرق ظاهر في حديث سؤال جبريل.
﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـابَ﴾ أي : اليهود والنصارى، أو هما والمجوس، أقوال ثلاثة :
فعلى أنهم اليهود، وهو قول الربيع بن أنس، الذين اختلفوا فيه التوراة. قال : لما حضرة موسى عليه السلام الوفاة، استودع سبعين من أحبار بني إسرائيل التوراة عند كل حبر جزء، واستخلف يوشع، فلما مضى ثلاثة قرون وقعت الفرقة بينهم.
وقيل : الذين اختلفوا فيه نبوة نبينا صلى الله عليه وسلّم، فقال بعضهم : بعث إلى العرب خاصة، وقال بعضهم : ليس بالنبي المبعوث لأن ذلك حقق في بني إسحاق.
وعلى أنهم النصارى، وهو قول محمد بن جعفر الزبير، فالذي اختلفوا فيه :
٤١٠
دينهم، أو أمر عيسى، أو دين الإسلام. ثلاثة أقوال.
وقال الزمخشري : هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى، واختلفوا أنهم تركوا الإسلام وهو التوحيد والعدل من بعد ما جاءهم العلم أنه الحق الذي لا محيد عنه، فثلثت النصارى ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ﴾، وقالوا : كنا أحق بأن تكون النبوة فينا من قريش لأنهم أمّيون، ونحن أهل كتاب، وهذا تجوير لله تعالى. إنتهى.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٠٧
ثم قال : وقيل : اختلافهم في نبوة محمد عليه السلام، حيث آمن به بعض وكفر بعض، وقيل : اختلافهم في الإيمان بالأنبياء فمنهم من آمن بموسى، ومنهم من آمن بعيسى. إنتهى.
والذي يظهر أن اللفظ عام في ﴿الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـابَ﴾ وأن المختلف فيه هو : الإسلام، لأنه تعالى قرر أن الدين هو الإسلام، ثم قال :﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـابَ﴾ أي : في الإسلام حتى تنكبوه إلى غيره من الأديان.
﴿إِلا مِنا بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ﴾ الذي هو سبب لاتباع الإسلام، والاتفاق على اعتقاده، والعمل به، لكن عموا عن طريق العلم وسلوكه بالبغي الواقع بينهم من الحسد، والاسئثار بالرياسة، وذهاب كل منهم مذهباً يخالف الإسلام حتى يصير رأساً يتبع فيه، فكانوا ممن ضل على علم. وقد تقدّم ما يشبه هذا من قوله ﴿وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنا بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَيِّنَـاتُ﴾.
﴿بَغْيَا بَيْنَهُمْ﴾ وإعراب : بغياً، فإنه أتى بعد إلاَّ شيآن ظاهرهما أنهما مستثنيان، وتخريج ذلك : فأغنى عن إعادته هنا.
﴿وَمَن يَكْفُرْ بِاَايَـاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ هذا عام في كل كافر بآيات الله، فلا يخص بالمختلفين من أهل الكتاب، وإن جاءت الجملة الشرطية بعد ذكرهم.
وآياته، هنا قيل : حججه، وقيل : التوراة والإنجيل وما فيهما من وصف نبينا صلى الله عليه وسلّم. وقيل : القرآن، وقال الماتريدي : أي من المختلفين.
وتقدّم تفسير : سريع الحساب، فأغنى عن إعادته، وهذه الجملة جواب الشرط والعائد منها على إسم الشرط محذود تقديره : سريع الحساب له.