﴿وَاللَّهُ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّـالِمِينَ﴾ أي : لا يخلق في قلوبهم الهداية. و: الظالمين، عام معناه الخصوص أي : لا يهدي من قضى عليه بأنه يموت على الكفر قال ابن عطية : ويحتمل أن يريد الإخبار عن أن الظالم في ظلمه ليس على هدى من الله، فتجيء الآية عامة تامة العموم. انتهى. وهذا المعنى الذي ذكره ينبو عنه لفظ الآية وقال الزمخشري : الظالمين، المعاندين الذين علم الله أن اللطف لا ينفعهم. انتهى. وتفسيره على طريقته الإعتزالية.
﴿أُوالَـا ئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَـا ئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَـالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنظَرُونَ﴾ تقدم تفسير مثل هذه الجملة. وتوجيه قراءة الحسن : والناس أجمعون، في سورة البقرة، فأغنى عن إعادته، إلاَّ أن هنا ﴿أُوالَـا ئِكَ جَزَآؤُهُمْ﴾ أي : جزاء كفرهم، وهناك ﴿أُوالَئاِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ﴾، لأن هناك جاء الإخبار عن من مات كافراً، فلذلك تحتمت اللعنة عليهم، وهنا ليس كذلك، ألا ترى إلى سبب النزول ؟ وأن أكثر الأقوال إنها نزلت في قوم ارتدوا ثم راجعوا الإسلام ؟ ولذلك جاء الاستثناء وهو قوله :﴿إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنا بَعْدِ ذَالِكَ﴾ وهو استثناء متصل، ولذلك قال
٥١٨
﴿مِنا بَعْدِ ذَالِكَ﴾ أي : من بعد ذلك الكفر العظيم.
﴿وَأَصْلَحُوا ﴾ أي : ما أفسدوا، أو : دخلوا في الصلاح، كما تقول : أمسى زيد أي : دخل في المساء وقيل : معنى أصلحوا أظهروا أنهم كانوا على ضلال، وتقدم تفسير هذه اللفظة في البقرة في قوله ﴿إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا ﴾.
﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ غفور أي لكفرهم، رحيم لقبول توبتهم، وهما صيغتان مبالغة دالتان على سعة رحمته.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَـاـنِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوالَئاِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ﴾ نزلت في اليهود، كفروا بعيسى وبالإنجيل بعد إيمانهم بأنبيائهم، ثم ازدادوا كفراً بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلّم بعد إيمانهم بنعته، قاله قتادة، والحسن وقيل : في اليهود كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلّم بعد إيمانهم بصفاته، وإقرارهم أنها في التوراة، ثم ازدادوا كفراً بالذنوب التي أصابوها في خلاف النبي صلى الله عليه وسلّم من الافتراء والبهت والسعى على الاسلام، قاله أبو العالية. أو : معنى : ثم ازدادوا كفراً، تموا على كفرهم وبلغوا الموت به، فيدخل فيه اليهود والمرتدون، قاله مجاهد، وقال نحوه السدي وقيل : نزلت فيمن مات على الكفر من أصحاب الحارث بن سويد، فإنهم قالوا : نقيم ببكة ونتربص بمحمد صلى الله عليه وسلّم ريب المنون، قاله الكلبي.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٥١٤
ويفسر بهذه الأقوال معنى ازدياد الكفر، وهو بحسب متعلقاته، إذ الإيمان والكفر في التحقيق لا يزدادان ولا ينقصان، وإنما تحصل الزيادة والنقصان للمتعلقات، فينسب ذلك إليهما على سبيل المجاز. وازدادوا افتعلوا من الزيادة، وانتصاب : كفراً، على التمييز المنقول من الفاعل، المعني : ثم ازداد كفرهم، والدال الأولى بدل من تاء الافتعال.
ويحتمل قوله ﴿لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾ وجهين :.
أحدهما : أنه تكون منهم توبة ولا تقبل، وقد علم أن توبة كل كافر تقبل سواء كفر بعد إيمان وازداد كفراً، أم كان كافراً أول مرة. فاجتيج في ذلك إلى تخصيص، فقال الحسن، وقتادة، ومجاهد، والسدي : نفي توبتهم مختص بالحشرجة والغرغرة والمعاينة قال النحاس : وهذا قول حسن، كقوله :﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّـاَاتِ﴾ الآية. وقال أبو العالية : لن تقبل توبتهم من الذنوب التي أصابوها مع إقامتهم على الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلّم. وقال ابن عباس : لن تقبل توبتهم لأنها توبة غير خالصة، إذ هم مرتدون، وعزموا على إظهار التوبة لستر أحوالهم وفي ضمائرهم الكفر وقال مجاهد : لن تقبل توبتهم بعد الموت إذا ماتوا على الكفر وقيل : لن تقبل توبتهم التي تابوها قبل أن كفروا، لأن الكفر قد أحبطها. وقيل : لن تقبل توبتهم إذا تابوا من كفر إلى كفر، وإنما تقبل إذا تابوا إلى الاسلام. وفاصل هذا التخصيص أنه تخصيص بالزمان، أو يوصف في التوبة.
والوجه الثاني : أن يكون المعنى : لا توبة لهم فتقبل، فنفى القبول، والمراد نفي التوبة فيكون من باب قوله.
على لا حبٍ لا يهتدي لمناره
أي : لا منار له فيهتدي به، ويكون ذلك في قوم بأعيانهم، حتم الله عليهم بالكفر أي : ليست لهم توبة فهم لا محالة يموتون على الكفر. وقد أشار إلى هذا المعنى الزمخشري، وابن عطية.
ولم تدخل : الفاء، في : لن تقبل، هنا، ودخلت في : فلن تقبل، لأن الفاء مؤذنة بالإستحقاق بالوصف السابق، وهناك قال : وماتوا وهم كفار وهنا لم يصرح بهذا القيد.


الصفحة التالية
Icon