وقرأ الحسن والنخعي : اللاتي. وقرأ الجمهور : التي. قال ابن عطية : والأموال جمع لا يعقل، فالأصوب فيه قراءة الجماعة انتهى. واللاتي جمع في المعنى للتي، فكان قياسه أن لا يوصف به الإماء وصف مفرده بالتي، والمذكر لا يوصف بالتي سواء كان عاقلاً أو غير عاقل، فكان قياس جمعه أن لا يوصف بجمع التي الذي هو اللاتي. والوصف بالتي يجري مجرى الوصف بغيره من الصفات التي تلحقها التاء للمؤنث. فإذا كان لنا جمع لا يعقل فيجوز أن يجري الوصف عليه كجريانه على الواحدة المؤنثة، ويجوز أن يجري الوصف عليه كجريانه على جمع المؤنثات فتقول : عندي جذوع منكسرة، كما تقول : امرأة طويلة، وجذوع منكسرات. كما تقول : نساء صالحات جرى الوصف في ذلك مجرى الفعل. والأولى في الكلام معاملته معاملة ما جرى على الواحدة، هذا إذا كان جمع ما لا يعقل للكثرة. فإذا كان جمع فلة، فالأولى
١٦٩
عكس هذا الحكم : فأجذاع منكسرات أولى من أجذاع منكسرة، وهذا فيما وجد له الجمعان : جمع القلة، وجمع الكثرة. أمّا ما لا يجمع إلا على أحدهما، فينبغي أن يكون حكمه على حسب ما تطلقه عليه من القلة والكثرة. وإذا تقرر هذا نتج أنَّ التي أولى من اللاتي، لأنه تابع لجمع لا يعقل. ولم يجمع مال على غيره، ولا يراد به القلة لجريان الوصف به مجرى الوصف بالصفة التي تلحقها التاء للمؤنث، فلذلك كانت قراءة الجماعة أصوب. وقال الفراء : تقول العرب في النساء : اللاتي، أكثر مما تقول التي. وفي الأموال تقول التي أكثر مما تقول اللاتي، وكلاهما في كليهما جائز. وقرىء شاذ اللواتي، وهو أيضاً في المعنى جمع التي ومعنى قياماً تقومون بها وتنتعشون بها، ولو ضيعتموها لتلفت أحوالكم. قال الضحاك : جعلها الله قياماً لأنه يقام بها الحج والجهاد وإكمال البر، وبها فكاك الرقاب من رق ومن النار، وكان السلف تقول : المال سلاح المؤمن، ولأن أترك ما يحاسبني الله عليه خير من أن أحتاج إلى الناس. وعن سفيان الثوري وكانت له بضاعة يقلبها : لولاها لتمندل أي : بنو العباس. وكانوا يقولون : اتجروا فإنكم في زمان إذا احتاج أحدكم كان أول ما يأكل كل دينه. وقرأ نافع وابن عامر : قيماً، وجمهور السبعة : قياماً، وعبد الله بن عمر : قواماً بكسر القاف، والحسن وعيسى بن عمر : قواماً بفتحها. ورويت عن أبي عمرو. وقرىء شاذاً : قوماً. فأما فيما فمقدر كالقيام، والقيام قاله : الكسائي والفراء والأخفش، وليس مقصوراً من قيام. وقيل : هو مقصور منه. قالوا : وحذفت الألف كما حذفت في خيم وأصله خيام، أو جمع قيمة كديم جمع قاله : البصريون غير الأخفش. ورده أبو علي : بأنه وصف به في قوله :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٠
﴿دِينًا قِيَمًا﴾ والقيم لا يوصف به، وإنما هو مصدر بمعن القيام الذي يراد به الثبات والدوام. ورد هذا بأنه لو كان مصدراً لما أعلّ كما لم يعلوا حولاً وعوضاً، لأنه على غير مثال الفعل، لا سيما الثلاثية المجردة. وأجيب : بأنه اتبع فعله في الإعلال فأعل، لأنه مصدر بمعنى القيام، فكما أعل القيام أعل هو. وحكى الأخفش : قيماً وقوماً، قال : والقياس تصحيح الواو، وإنما اعتلت على وجه الشذوذ كقولهم : تيره، وقول بني ضبة : طيال في جمع طويل، وقول الجميع : جياد في جمع جواد. وإذا أعلوا ديماً لاعتلال ديمة، فإن إعلال المصدر لاعتلال فعله أولى. ألا ترى إلى صحة الجمع مع اعتلال مفرده في معيشة ومعائش، ومقامة ومقاوم، ولم يصححوا مصدراً أعلوا فعله. وقيل : يحتمل هنا أن يكون جمع قيمة، وإن كان لا يحتمله ديناً قيماً. وأما قيام فظاهر فيه المصدر، وأما قوام فقيل : مصدر قاوم. وقيل : هو اسم غير مصدر، وهو ما يقام به كقولك : هو ملاك الأمر لما يملك به. وأما قوام فخطأ عند أبي حاتم. وقال : القوام امتداد القامة، وجوزه الكسائي. وقال : هو في معنى القوام، يعني أنه مصدر. وقيل : اسم للمصدر. وقيل : القوام القامة، والمعنى : التي جعلها الله سبب بقاء قاماتكم.
﴿وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ﴾ أي : اطعموهم واجعلوا لهم نصيباً. قيل : معناه فيمن يلزم الرجل نفقته من زوجته وبنيه الصغار. قال ابن عباس : لا تعمد إلى هلاك الشيء الذي جعله الله لك معيشة فتعطيه امرأتك أو بنيك ثم تنظر إلى ما في أيديهم، وأمسك ذلك وأصلحه، وكن أنت تنفق عليهم في رزقهم وكسوتهم ومؤونتهم. وقيل : في المحجورين، وهو خلاف مرتب على الخلاف في المخاطبين بقوله : وآتوا من هم. والمعنى على هذا القول : اجعلوها مكاناً لزرقهم بأن تتجروا فيها وتربحوا، حتى تكون نفقتهم من الأرباح لا من صلب المال، فلا يأكلها الإنفاق. قيل : وقال فيها : ولم يقل منها تنبيهاً على ما قاله عليه السلام :"ابتغوا في أموال اليتامى التجارة لا تأكلها الزكاة" والمستحب أن يكون الإنفاق عليهم من فضلاتها المكتسبة. وقيل في : بمعنى من، أي منها.
﴿وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَّعْرُوفًا﴾ المعروف : ما تألفه النفوس وتأنس إليه ويقتضيه
١٧٠


الصفحة التالية
Icon