وقالت طائفة : المعروف أن يكون له أجر بقدر عمله وخدمته، وهذه رواية عن الإمام أحمد. وفصل الحسن بن حي فقال : إن كان وصي أب فله الأكل بالمعروف، أو وصي حاكم فلا سبيل له إلى المال بوجه، وأجرته على بيت المال. وفصل أبو حنيفة وصاحباه فقالوا : إن كان وصي اليتيم مقيماً فلا يجوز له أن يأخذ من ماله شيئاً، وإن كان مسافراً فله أن يأخذ ما يحتاج إليه، ولا يقتني شيئاً. وفصل الشعبي فقال : إن كان مضطراً بحال من يجوز له أكل الميتة أكل بقدر حاجته وردّ إذا وجد، وإلاّ فلا يأكل لا سفراً ولا حضراً. وقال مجاهد : هذه الإباحة منسوخة بقوله :﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَـامَى ظُلْمًا﴾. وقال أبو يوسف : لعلها منسوخة بقوله :﴿وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَـاطِلِ﴾ فليس له أن يأخذ قرضاً ولا غيره. وقال ابن عباس والنخعي أيضاً : هذا الأمر ليس متعلقاً بمال اليتيم، والمعنى : أنّ الغني يستعفف بغناه، وأما الفقير فيأكل بالمعروف من مال نفسه، ويقوم على نفسه بماله حتى لا يحتاج إلى مال يتيمه. واختار هذا القول من الشافعية الكيا الطبري. وقيل : إن كان مال اليتيم كثيراً يحتاج إلى قيام كثير عليه بحيث يشغل الولي عن مصالح نفسه ومهماته فرض له في مال اليتيم أجر عمله، وإن كان لا يشغله فلا يأكل منه شيئاً، غير أنه يستحب له شرب قليل اللبن، وأكل قليل الطعام والسمن، غير مضربه ولا مستكثر منه على ما جرت به العادة والمسامحة. وقالت طائفة منهم ربيعة ويحيى بن سعيد : هذا تقسيم لحال اليتيم، لا لحال الوصي. والمعنى : من كان منهم غنياً فليعف بماله، ومن كان منهم فقيراً فليقتر عليه بالمعروف والاقتصاد. ويكون من خطاب العين، ويراد به الغير. خوطب اليتامى بالاستعفاف والأكل بالمعروف، والمراد الأولياء. لأن اليتامى ليسوا من أهل الخطاب، فكأنه قال للأولياء والأوصياء : إن كان اليتيم غنياً فانفقوا عليه نفقة متعفف مقتصد لئلا يذهب ماله بالتوسع في نفقته، وإن كان فقيراً فلينفق عليه بقدر ماله لئلا يذهب فيبقى كلا مضعفاً.
فهذه أقوال ملخصها : هل تقسيم في الولي أو الصبي قولان : فإذا كان في الولي فهل الأمر متوجه إلى مال نفسه، أو مال الصبي ؟ قولان. وإذا كان متوجهاً إلى مال الصبي، هل ذلك منسوخ أم لا ؟ قولان. وإذا لم يكن منسوخاً، فهل يكون تفصيلاً بالنسبة إلى الأكل أو المأكول ؟ قولان. فإذا كان بالنسبة إلى الأكل، فهل يختص بولي الأب، أو بالمسافر، أو بالمضطر، أو بالمشتغل بذلك عن مهمات نفسه ؟ أقوال. وإذا كان بالنسبة للمأكول، فهل يختص بالتافه أم يتعدّى إلى غيره ؟ قولان. وإذا تعدّى إلى غيره، فهل يكون أجرة أم لا ؟ قولان. وإذا لم يكن أجرة فأخذ، فهل يترتب ديناً في ذمته يجب قضاؤه إذا أيسر أم لا ؟ قولان. ودلائل هذه الأقوال مذكورة في مسائل الخلاف. ولفظه فليستعفف أبلغ من فليعف، لأن فيه طلب زيادة العفة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٠
﴿فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ﴾ أمر تعالى
١٧٣
بالإشهاد لحسم مادة النزاع، وسوء الظن بهم، والسلامة من الضمان والغرم على تقدير إنكار اليتيم، وطيب خاطر اليتيم بفك الحجر عنه، وانتظامه في سلك من يعامل ويعامل. وإذا لم يشهد فادعى عليه صدق مع يمينه عند أبي حنيفة وأصحابه، وعند مالك. والشافعي : لا يصدق إلا بالبينة. فكان في الإشهاد الاحتراز من توجه الحلف المفضي إلى التهمة، أو من وجوب الضمان إذ لم يقم البينة. وظاهر الأمر أنه واجب. وقال قوم : هو ندب.
وظاهر الآية الأمر بالإشهاد عليهم إذا دفع إليهم أموالهم، وهي المأمور بدفعها في قوله :﴿وَابْتَلُوا الْيَتَـامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ﴾ وقال عمرو بن جبير : هذا الإشهاد إنما هو على دفع الولي ما استقرضه من مال اليتيم حالة فقره إذا أيسر. وقيل : فيها دليل على وجوب القضاء على من أكل من مال اليتيم، المعنى : أقرضتم أو أكلتم فأشهدوا هذا غرمتم. وقيل : المعنى إذا أنفقتم شيئاً على المولى عليه فاشهدوا، حتى لو وقع خلاف أمكن إقامة البينة، فإن مالاً قبض على وجه الأمانة بإشهاد لا يبرأ منه إلا بإشهاد على دفعه.
﴿وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ أي كافياً في الشهادة عليكم. ومعناه : محسباً من أحسبني كذا، أي كفاني، قاله : الأعمش والطبري. فيكون فعيلاً بمعنى مفعل، أو محاسباً، أو حاسباً لأعمالكم يجازيكم بها، فعليكم بالصدق، وإياكم والكذب. فيكون في ذلك وعيد لجاحد الحق.


الصفحة التالية
Icon