جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٠
وقرأ الجمهور : وسيصلون مبنياً للفاعل من الثلاثي. وقرأ ابن عامر وأبو بكر : بضم الياء وفتح اللام مبنياً للمفعول من الثلاثي. وابن أبي عبلة : بضم الياء وفتح الصاد واللام مشدّدة مبنياً للمفعول. والصلامن : التسخن بقرب النار، والإحراق إتلاف الشيء بالنار. وعبر بالصلا بالنار عن العذاب الدائم بها، إذ النار لا تذهب ذواتهم بالكلية، بل كما قال :﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَـاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾ وهذا وعيد عظيم على هذه المعصية. وجاء يأكلون بالمضارع دون سين الاستقبال، وسيصلون بالسين، فإن كان الأكل للنار حقيقة فهو مستقبل، واستغنى عن تقييده بالسين بعطف المستقبل عليه. وإن كان مجازاً فليس بمستقبل، إذ المعنى : يأكلون ما يجر إلى النار ويكون سبباً إلى العذاب بها. ولما كان لفظ نار مطلقاً في قوله : إنما يأكلون في بطونهم ناراً، قيد في قوله سعيراً، إذ هو الجمر المتقد.
وتضمنت هذه الآيات من ضروب البيان والفصاحة. الطباق في : واحدة وزوجها، وفي غنياً وفقيراً، وفي : قل أو كثر. والتكرار في : اتقوا، وفي : خلق، وفي : خفتم، وأن لا تقسطوا، وأن لا تعدلوا من جهة المعنى، وفي اليتامى، وفي النساء، وفي فادفعوا إليهم أموالهم، فإذا دفعتم إليهم أموالهم، وفي نصيب مما ترك الوالدان والأقربون، وفي قوله : وليخش، وخافوا من جهة المعنى على قول من جعلهما مترادفين، وإطلاق اسم المسبب على السبب في : ولا تأكلوا وشبهه لأن الأخذ سبب للأكل. وتسمية الشيء باسم ما كان عليه في : وآتوا اليتامى، سماهم يتامى بعد البلوغ. والتأكيد بالاتباع في : هنيئاً مريئاً وتسمية الشيء باسم ما يؤول اليه في : نصيب مما ترك، وفي ناراً على قول من زعم أنها حقيقة. والتجنيس المماثل في : فادفعوا فإذا دفعتم، والمغاير في : وقولوا لهم قولاً. والزيادة للزيادة في المعنى في : فليستعفف. وإطلاق كل على بعض في : الأقربون، إذ المراد أرباب الفرائض. وإقامة الظرف المكاني مقام الزماني في : خلفهم، أي من بعد وفاتهم. والاختصاص في : بطونهم، خصها دون غيرها لأنها محل للمأكولات. والتعريض في : في بطونهم، عرض بذكر البطون لحسنهم وسقوط هممهم والعرب تذم بذلك قال :
دع المكارم لا ترحل لبغيتهاواقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
وتأكيد الحقيقة بما يرفع احتمال المجاز بقوله : في بطونهم. رفع المجاز العارض في قوله :﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا﴾ وهذا على قول من حمله على الحقيقة، ومن حمله على المجاز فيكون عنده من
١٧٩
ترشيخ المجاز، ونظير كونه رافعاً للمجاز قوله :﴿يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ﴾، وقوله :﴿يَكْتُبُونَ الْكِتَـابَ بِأَيْدِيهِمْ﴾. والحذف في عدة مواضع.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٠
﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِى أَوْلَـادِكُم لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الانثَيَيْنِ﴾ لما أبهم في قوله :﴿نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالاقْرَبُونَ﴾ في المقدار والأقربين، بيّن في هذه الآية المقادير ومن يرث من الأقربين، وبدأ بالأولاد وارثهم من والديهم، كما بدأ في قوله : للرّجال نصيب مما ترك الوالدان بهم. وفي قوله : يوصيكم الله في أولادكم إجمال أيضاً بينه بعد. وبدأ بقوله : للذكر، وتبين ما له دلالة على فضله. وكان تقديم الذكر أدل على فضله من ذكر بيان نقص الأنثى عنه، ولأنهم كانوا يورثون الذكور دون الإناث، فكفاهم إن ضوعف لهم نصيب الإناث فلا يحرمن إذ هن يدلين بما يدلون به من الولدية.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٨٠
وقد اختلف القول في سبب النزول، ومضمن أكثر تلك الأقاويل : أنهم كانوا لا يورّثون البنات كما تقدم، فنزلت تبييناً لذلك ولغيره. وقيل : نزلت في جابر إذ مرض، فعاده الرسول فقال : كيف أصنع في مالي ؟ وقيل : كان الإرث للولد والوصية للوالدين، فنسخ بهذه الآيات. قيل : معنى يوصيكم يأمركم. كقوله :﴿ذَالِكُمْ وَصَّـاكُم بِهِ﴾ وعدل إلى لفظ الإيصاء لأنه أبلغ وأدل على الاهتمام، وطلب حصوله سرعة، وقيل : يعهد إليكم كقوله :﴿مَا وَصَّى بِهِا نُوحًا﴾ وقيل : يبين لكم في أولادكم مقادير ما أثبت لهم من الحق مطلقاً بقوله ﴿فَأُوالَئاِكَ مِنكُم وَأُوْلُوا الارْحَامِ﴾ وقيل : يفرض لكم. وهذه أقوال متقاربة.


الصفحة التالية
Icon