وفي إقامة الجد مقام الأب خلاف. فمن قال : أنه أب وحجب به الإخوة جماعة منهم : أبو بكر رضي الله عنه، ولم يخالفه أحد من الصحابة في أيام حياته. وقال بمقالته بعد وفاته : أبي ومعاذ، وأبو الدرداء، وابن عباس، وابن الزبير عبد الله، وعائشة، وعطاء، وطاووس، والحسن، وقتادة، وأبو حنيفة، وإسحاق، وأبو ثور. وذهب علي، وزيد، وابن مسعود : إلى توريث الجد مع الأخوة، ولا ينقص من الثلث مع الإخوة للأب والأم أو للأم أو للأب، إلا مع ذوي الفروض، فإنه لا ينقص معهم من السدس شيئاً في قول : زيد، وهو قول : مالك، والأوزاعي، والشافعي، ومحمد، وأبي يوسف. كان عليّ يشرك بين الجد والإخوة في السدس، ولا ينقصه من السدس شيئاً مع ذوي الفروض وغيرهم، وهو قول ابن أبي ليلى. وذهب الجمهور : إلى أنَّ الجد يسقط بني الإخوة من الميراث، إلا ما روي عن الشعبي عن علي : أنه أجرى بني الإخوة في المقاسمة مجرى الإخوة.
وأما أم الأم فتسمى أما مجاز، لكن لا يفرض لها الثلث إجماعاً، وأجمعوا على أن للجدة السدس إذا لم يكن للميت أم، وعلى أن الأم تحجب أمها وأم الأب، وعلى أن الأب لا يحجب أم الأم. واختلفوا في توريث الجدة وابنتها. فروي عن عثمان وعلي وزيد : أنها لا ترث وابنتها حية، وبه قال : الأوزاعي، والثوري، ومالك، وأبو ثور، وأصحاب الرأي. وروي عن عثمان وعلي أيضاً، وعمروابن مسعود وأبي موسى وجابر : أنها ترث معها. وقال به : شريك، وعبيد الله بن الحسن، وأحمد، وإسحاق، وابن المنذر. وقال : كما أن الجد لا يحجبه إلا الأب، كذلك الجدة لا يحجبها إلا الأم. وقرأ الإخوان : فلامه هنا موضعين، وفي القصص ﴿فِى أُمِّهَا﴾ وفي الزخرف : في ﴿أُمُّ الْكِتَـابِ﴾ بكسر الهمزة، لمناسبة الكسرة والياء. وكذا قرأ من ﴿بُطُونِ أُمَّهَـاتِكُمْ﴾ في النحل والزمر والنجم، أو ﴿بُيُوتِ أُمَّهَـاتِكُمْ﴾ في النور. وزاد حمزة : في هذه كسر الميم اتباعاً لكسرة الهمزة
١٨٤
وهذا في الدرج. فإذا ابتدأ بضم الهمزة، وهي قراءة الجماعة درجاً وابتداء. وذكر سيبويه أن كسر الهمزة من أم بعد الياء، والكسر لغة. وذكر الكسائي والفراء : أنها لغة هوازن وهذيل.
﴿فَإِن كَانَ لَهُا إِخْوَةٌ فَلامِّهِ السُّدُسُ﴾، وصار الأب يأخذ خمسة الأسداس. وذهب ابن عباس إلى أن الأخوة يأخذون ما حجبوا الأم عنه وهو السدس، ولا يأخذه الأب. وروي عنه : أن الأب يأخذه لا الأخوة، لقول الجماعة من العلماء. قال قتادة : وإنما أخذه الأب دونهم لأنه يمونهم ويلي نكاحهم والنفقة عليهم. وظاهر لفظ إخوة اختصاصه بالجمع المذكر، لأن إخوة جمع أخ. وقد ذهب إلى ذلك طائفة فقالوا : الأخوة تحجب الأم عن الثلث دون الأخوات، وعندنا يتناول الجمعين على سبيل التعليب. فإذن يصير المراد بقوله : أخوة، مطلق الأخوة، أي : أشقاء، أو لأب، أو لأم، ذكوراً أو إناثاً، أو الصنفين. وظاهر لفظ أخوة، الجمع. وأن الذين يحطون الأم إلى السدس ثلاثة فصاعداً، وهو قول : ابن عباس : الأخوات عنده في حكم الواحد لا يحطان كما لا يحط، فالجمهور على أن الأخوين حكمهما في الحط حكم الثلاث فصاعداً.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٨٠
ومنشأ الخلاف : هل الجمع أقله اثنان أو ثلاثة ؟ وهي مسألة يبحث فيها في أصول الفقه، والبحث فيها في علم النحو أليق. وقال الزمخشري : الأخوة تفيد معنى الجمعية المطلقة بغير كمية، والتثنية كالتثليث والتربيع في إفادة الكمية، وهو موضع الدلالة على الجمع المطلق، فدل بالأخوة عليه انتهى. ولا نسلم له دعوى أن الأخوة تفيد معنى الجمعية المطلقة، بل تفيد معنى الجمعية التي بعد التثنية بغير كمية فيما بعد التثنية، فيحتاج في إثبات دعواه إلى دليل. وظاهر أخوة الإطلاق، فيتناول الأخوة من الأم فيحجبون كما قلنا قبل. وذهب الروافض : إلى أنّ الأخوة من الأم لا يحجبون الأم، لأنهم يدلون بها، فلا يجوز أن يحجبوها ويجعلوه لغيرها فيصيرون ضارين لها نافعين لغيرها. واستدل بهذه الآية على أن البنت تقلب حق الأم من الثلث إلى السدس بقوله : فإن كان له أخوة، لأنها إذا حرمت الثلث بالأخوة وانتقلت إلى السدس فلان تحرم بالبنت أولى.
﴿مِنا بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ﴾ المعنى : أنَّ قسمة المال بين من ذكر إنما تكون بعد خروج ما يجب إخراجه بوصية، أو بدين. وليس تعلق الدين والوصية بالتركة سواء، إذ لو هلك من التركة شيء قبل القسمة ذهب من الورثة والموصى له جميعاً، ويبقى الباقي بينهم بالشركة، ولا يسقط من الدين شيء بهلاك شيء من التركة. وتفصيل
١٨٥


الصفحة التالية
Icon