بكر : مبينة هنا، وفي الأحزاب، والطلاق بفتح الياء، أي أي يبينها من يدعيها ويوضحها. وقرأ الباقون : بالكسر أي : بينة في نفسها ظاهرة. وهي اسم فاعل من بين، وهوفعل لازم بمعنى بان أي ظهر، وظاهر قوله : ولا تعضلوهن، أن لا نهى، فالفعل مجزوم بها، والواو عاطفة جملة طلبية على جملة خبرية. فإن قلنا : شرط عطف الجمل المناسبة، فالمناسبة أن تلك الخبرية تضمنت معنى النهي كأنه قال : لا ترثوا النساء كرهاً فإنه غير حلال لكم ولا تعضلوهن. وإن قلنا : لا يشترط في العطف المناسبة وهو مذهب سيبويه، فظاهر. وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون تعضلوهن نصباً عطفاً على ترثوا، فتكون الواو مشركة عاطفة فعلاً على فعل. وقرأ ابن مسعود : ولا أن تعضلوهن، فهذه القراء تقوي احتمال النصب، وأن العضل مما لا يحلّ بالنصّ. وعلى تأويل الجزم هي نهي معوض لطلب القرائن في التحريم أو الكراهة، واحتمال النصب أقوى انتهى ما ذكره من تجويز هذا الوجه، وهو لا يجوز. وذلك أنك إذا عطفت فعلاً منفياً بلا على مثبت وكانا منصوبين، فإنّ الناصب لا يقدر إلا بعد حرف العطف، لا بعد لا. فإذا قلت : أريد أن أتوب ولا أدخل النار، فالتقدير : أريد أن أتوب وأن لا أدخل النار، لأن الفعل يطلب الأول على سبيل الثبوت، والثاني على سبيل النفي. فالمعنى : أريد التوبة وانتفاء دخولي النار. فلو كان الفعل المتسلط على المتعاطفين منفياً، فكذلك ولو قدّرت هذا التقدير في الآية لم يصح لو قلت : لا يحل لكم أن لا تعضلوهن لم يصح، إلا أن تجعل لا زائدة لا نافية، وهو خلاف الظاهر. وأما أن تقدر أن بعد لا النافية فلا يصح. وإذا قدرت أنّ بعد لا كان من باب عطف المصدر المقدر على المصدر المقدر، لا من باب عطف الفعل على الفعل، فالتبس على ابن عطية العطفان، وظن أنه بصلاحية تقدير أن بعد لا يكون من عطف الفعل على الفعل، وفرق بين قولك : لا أريد أن يقوم وأن لا يخرج، وقولك : لا أريد أن يقوم ولا أن يخرج، ففي الأول : نفي إرادة وجود قيامه وإرادة انتفاء خروجه، فقد أراد خروجه. وفي الثانية نفي إرادة وجود قيامه، ووجود خروجه، فلا يريد لا القيام ولا الخروج. وهذا في فهمه بعض غموض على من لم يتمرن في علم العربية..
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩٢
﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾
٢٠٤
هذا أمر بحسن المعاشرة، والظاهر أنه أمر للأزواج، لأن التلبس بالمعاشرة غالباً إنما هو للأزواج، وكانوا يسيئون معاشرة النساء، وبالمعروف هو النصفة في المبيت والنفقة، والإجمال في القول. ويقال : المرأة تسمن من أذنها.
﴿فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْـاًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ أدب تعالى عباده بهذا. والمعنى : أنه لا تحملكم الكراهة على سوء المعاشرة، فإن كراهة الأنفس للشيء لا تدل على انتفاء الخير منه، كما قال تعالى :﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ ولعل ما كرهت النفس يكون أصلح في الدين وأحمد في العاقبة، وما أحبته يكون بضد ذلك. ولما كانت عسى فعلاً جامداً دخلت عليه فاء الجواب، وعسى هنا تامّة، فلا تحتاج إلى اسم وخبر. والضمير في فيه عائد على شيء أي : ويجعل الله في ذلك الشيء المكروه. (وقيل) : عائد على الكره وهو المصدر المفهوم من الفعل. (وقيل) : عائد على الصبر. وفسر ابن عباس والسدي : الخير بالولد الصالح، وهو على سبيل التمثيل لا الحصر. وانظر إلى فصاحة فعسى أن تكرهوا شيئاً، حيث علّق الكراهة بلفظ شيء الشامل شمول البدل، ولم يعلق الكراهة بضميرهن، فكان يكون فعسى أن تكرهوهن. وسياق الآية يدل على أن المعنى الحث على إمساكهن وعلى صحبتهن، وإن كره الإنسان منهن شيئاً من أخلاقهن. ولذلك جاء بعده : وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج. (وقيل) : معنى الآية : ويجعل الله في فراقكم لهنّ خيراً كثيراً لكم ولهن، كقوله :﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِّن سَعَتِهِا﴾ قاله الأصم : وهذا القول بعيد من سياق الآية، ومما يدل عليه ما قبلها وما بعدها. وقلّ أن ترى متعاشرين يرضى كل واحد منهما جميع خلق الآخر، ويقال : ما تعاشر إثنان إلا وأحدهما يتغاضى عن الآخر. وفي صحيح مسلم :"لا يفزك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر". وأنشدوا في هذا المعنى :
ومن لا يغمض عينه عن صديقهوعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب ومن يتتبع جاهداً كل عثرةيجدها ولا يسلم له الدهر صاحب
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩٢


الصفحة التالية
Icon