فقيل : هي من الولاية أي : وإن وليتم إقامة الشهادة أو أعرضتم عن إقامتها، والولاية على الشيء هو الإقبال عليه. وقيل : هو من اللي واصله : تلووا، وأبدلت الواو المضمومة همزة، ثم نقلت حركتها إلى اللام وحذفت. قال الفراء، والزجاج، وأبو علي، والنحاس، ونقل عن النحاس أيضاً أنه استثقلت الحركة على الواو فألقيت على اللام، وحذفت إحدى الواوين لالتقاء الساكنين.
﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ هذا فيه وعيد لمن لوى عن الشهادة أو أعرض عنها.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٥٧
﴿خَبِيرًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ءَامِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِا وَالْكِتَابِ الَّذِى نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِا وَالْكِتَابِ الَّذِى أَنَزَلَ مِن قَبْلُ﴾ مناسبتها لما قبلها أنه تعالى لما أمر المؤمنين بالقيام بالقسط، والشهادة لله، بين أنه لا يتصف بذلك إلا مَن كان راسخ القدم في الإيمان بالأشياء المذكورة في هذه الآية فأمر بها. والظاهر أنه خطاب للمؤمنين. ومعنى : آمنوا دوموا على الإيمان قاله : الحسن، وهو أرجح. لأن لفظ المؤمن متى أطلق لا يتناول إلا المسلم. وقيل : للمنافقين أي : يا أيها الذين أظهروا الإيمان بألسنتهم آمِنوا بقلوبكم. وقيل : لمن آمن بموسى وعيسى عليهما السلام أي : يا من آمن بنبي من الأنبياء آمن بمحمد صلى الله عليه وسلّم. وقيل : هم جميع الخلق أي : يا أيها الذين آمنوا يوم أخذ الميثاق حين قال :﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُم قَالُوا بَلَى ﴾. وقيل : اليهود خاصة. وقيل : المشركون آمنوا باللات والعزى والأصنام والأوثان. وقيل : آمنوا على سبيل التقليد، آمنوا على سبيل الاستدلال. وقيل : آمنوا في الماضي والحاضر، آمنوا في المستقبل. ونظيره :﴿فَاعْلَمْ أَنَّه لا إله إِلا اللَّهُ﴾ مع أنه كان عالماً بذلك. وروي أن عبد الله بن سلام، وسلاماً ابن أخته، وسلمة بن أخيه، وأسد وأسيداً ابني كعب، وثعلبة بن قيس ويامين، أتوا الرسول صلى الله عليه وسلّم وقالوا : نؤمن بك وبكتابك، وموسى والتوراة، وعزير، ونكفر بما سواه من الكتب والرسل فقال عليه السلام :"بل آمنوا بالله ورسوله وكتابه القرآن وبكل كتاب كان قبله" فقالوا : لا نفعل، فنزلت فآمنوا كلهم. والكتاب الذي نزل على رسوله هو القرآن بلا خلاف، والكتاب الذي أنزل من قبلُ المراد به جنس الكتب الإلهية، ويدل عليه قوله : آخراً. وكتبه وإنْ كان الخطاب لليهود والنصارى فكيف قيل لهم والكتاب الذي أنزل من قبل وهم مؤمنون بالتوراة والإنجيل. وأجيب عن ذلك بأنهم كانوا مؤمنين بهما فحسب، وما كانوا مؤمنين بكلّ ما أنزل
٣٧١
من الكتب، فأمروا أن يؤمنوا بجميع الكتب. أو لأنّ إيمانهم ببعض لا يصح، لأن طريق الإيمان بالجميع واحد وهو المعجزة. وقرأ العربيان وابن كثير : نزل وأنزل بالبناء للمفعول، والباقون بالبناء للفاعل. قال الزمخشري :(فإن قلت) : لم قال نزل على رسوله وأنزل من قبل ؟ (قلت) : لأن القرآن نزل منجماً مفرقاً في عشرين سنة بخلاف الكتب قبله انتهى. وهذه التفرقة بين نزل وأنزل لا تصح، لأن التضعيف في نزل ليس للتكثير والتفريق، وإنما هو للتعدية، وهو مرادف للهمزة. وقد أشبعنا الرد على الزمخشري في دعواه ذلك أول سورة آل عمران.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٥٧
﴿وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَئاِكَتِهِا وَكُتُبِهِا وَرُسُلِهِا وَالْيَوْمِ الاخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَا بَعِيدًا﴾ جواب الشرط ليس مترتباً على الكفر بالمجموع، بل المعنى : ومن يكفر بشيء من ذلك. وقرىء : وكتابه على الأفراد، والمراد جنس الكتب. ولما كان خير الإيمان علق بثلاثة : بالله، والرسول، والكتب، لأن الإيمان بالكتب تضمن الإيمان بالملائكة واليوم الآخر، وبولغ في ذلك لأن الملك مغيب عنا، وكذلك اليوم الآخر لم يقع وهو منتظر، فنص عليهما على سبيل التوكيد، ولئلا يتأولهما متأول على خلاف ما هما عليه. فمن أنكر الملائكة أو القيامة فهو كافر، وقدّم الكتب على الرسل على الترتيب الوجودي، لأن الملك ينزل بالكتب والرسل تتلقى الكتب من الملك. وقدّم في الأمر بالإيمان الموصول على الكتاب، لأن الرسول أول ما يباشره المؤمن ثم يتلقى الكتاب منه. فحيث نفى الإيمان كان على الترتيب الوجودي، وحيث أثبت كان على الترتيب اللقائي، وهو راجع للوجود في حق المؤمن.


الصفحة التالية
Icon