وقرأ الجمهور : وقد نزل مشدداً مبنياً للمفعول. وقرأ عاصم : نزل مشدداً مبنياً للفاعل. وقرأ أبو حيوة وحميد : نزل مخففاً مبنياً للفاعل. وقرأ النخعي : أنزل بالهمزة مبنياً للمفعول، ومحل أن رفع أو نصب على حسب العامل، فنصب على قراءة عاصم، ورفع على الفاعل على قراءة أبي حيوة وحميد، وعلى المفعول الذي لم يسم فاعله على قراءة الباقين. وإنْ هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن محذوف وتقديره : ذلك أنه إذا سمعتم. وما قدره أبو البقاء من قوله : أنكم إذا سمعتم، ليس بجيد، لأنها إذا خففت إنْ لم تعمل في ضمير إلا إذا كان ضمير أمر، وشأن محذوف، وإعمالها في غيره ضرورة نحو قوله :
فلو أنك في يوم الرخاء سألتنيطلاقك لم أبخل وأنت صديق
وخبر إنْ هي الجملة من إذا وجوابها. ومثال وقوع جملة الشرط خبراً لأنْ المخففة من الثقيلة قول الشاعر :
فعلمت أن من تتقوه فإنهجزر لخامعة وفرخ عقاب
ويكفر بها في موضع نصب على الحال، والضمير في معهم عائد على المحذوف الذي دل عليه قوله : يكفر بها ويستهزأ أي : فلا تقعدوا مع الكافرين المستهزئين، وحتى غاية لترك القعود معهم. ومفهوم الغاية أنهم إذا خاضوا في غير الكفر والاستهزاء ارتفع النهي، فجاز لهم أن يقعدوا معهم. والضمير عائد على ما دل عليه المعنى أي : في حديث غير حديثهم الذي هو كفر واستهزاء. ويحتمل أن يفرد الضمير، وإنْ كان عائداً على الكفر وعلى الاستهزاء المفهومين من قوله : يكفر بها ويستهزأ بها، لأنهما راجعان إلى معنى واحد، ولأنه أجرى الضمير مجرى اسم الإشارة في كونه لمفرد، وإنْ كان المراد به اثنين.
﴿إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ﴾ حكم تعالى بأنهم إذا قعدوا معهم وهم يكفرون بآيات الله ويستهزئون بها، وهم قادرون على الإنكار مثلهم في الكفر، لأنهم يكونون راضين بالكفر، والرضا بالكفر كفر. والخطاب في أنكم على الخلاف السابق أهو للمنافقين ؟ أم للمؤمنين ؟ ولم يحكم تعالى على المسلمين الذين كانوا يجالسون الخائضين من المشركين بمكة بأنهم مثل المشركين، لعجز المسلمين إذ ذاك عن الإنكار بخلاف المدينة، فإن الإسلام كان الغالب فيها والأعلى، فهم قادرون على الإنكار، والسامع للذم شريك للقائل، وما أحسن ما قال الشاعر :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٥٧
وسمعك صن عن سماع القبيحكصون اللسان عن النطق به
قال ابن عطية : وهذه المماثلة ليست في جميع الصفات، ولكنه إلزام شبه بحكم الظاهر من المقارنة
٣٧٤
كقول الشاعر :
عن المرء لا تسئل وسل عن قرينهفكل قرين بالمقارن يقتدى
وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه أخذ قوماً يشربون الخمر فقيل له عن أحد الحاضرين : إنه صائم فحمل عليه الأدب، وقرأ : إنكم إذاً مثلهم. ومَن ذهب إلى أنّ معنى قوله : إنكم إذاً مثلهم، إنْ خضتم كخوضهم ووافقتموهم على ذلك فأنتم كفار مثلهم، قوله تنبو عنه دلالة الكلام. وإنما المعنى ما قدّمناه من أنكم إذا قعدتم معهم مثلهم.
وإذا هنا توسطت بين الاسم والخبر، وأفرد مثل، لأن المعنى أنّ عصيانكم مثل عصيانهم، فالمعنى على المصدر كقوله :﴿أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا﴾ وقد جمع في قوله :﴿ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَـالَكُم﴾ وفي قوله :﴿وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَـالِ اللُّؤْلُواِ الْمَكْنُونِ﴾ والإفراد والمطابقة في التثنية أو الجمع جائزان. وقرىء شاذاً مثلهم بفتح اللام، فخرجه البصريون على أنه مبني لإضافته إلى مبني كقوله : لحق مثل ما أنكم تنطقون على قراءة من فتح اللام، والكوفيون يجيزون في مثل أن ينتصب محلاً وهو الظرف، فيجوز عندهم زيد مثلك بالنصب أي : في مثل حالك. فعلى قولهم يكون انتصاب مثلهم على المحل، وهو الظرف.
﴿إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَـافِقِينَ وَالْكَـافِرِينَ فِى جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ لما اتخذوهم في الدنيا أولياء جمع بينهم في الآخرة في النار، والمرء مع من أحب، وهذا توعد منه تعالى تأكد به التحذير من مجالستهم ومخالطتهم.