﴿وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا﴾ أي مانعاً من العذاب ولا شافعاً يشفع.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧٦
﴿إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوالَئاِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أي تابوا من النفاق وأصلحوا أعمالهم، وتمسكوا بالله وكتابه، ولم يكن لهم ملجأ ولا ملاذ إلا الله، وأخلصوا دينهم لله أي : لا يبتغون بعمل الطاعات إلا وجه الله تعالى. ولما كان المنافق متصفاً بنقائص هذه الأوصاف من الكفر وفساد الأعمال والموالاة للكافرين والاعتزاز بهم والمراءة للمؤمنين، شرط في توبتهم ما يناقض تلك الأوصاف وهي التوبة من النفاق، وهي الوصف المحتوي على بقية الأوصاف من حيث المعنى. ثم فصل ما أجمل فيها، وهو الإصلاح للعمل المستأنف المقابل لفساد أعمالهم الماضية، ثم الاعتصام بالله في المستقبل وهو المقابل لموالاة الكافرين والاعتماد عليهم في الماضي، ثم الإخلاص لدين الله وهو المقابل للرياء الذي كان لهم في الماضي، ثم بعد تحصيل هذه الأوصاف جميعها أشار إليهم بأنهم مع المؤمنين، ولم يحكم عليهم بأنهم المؤمنون، ولا من المؤمنين، وإن كان قد صاروا مؤمنين تنفيراً مما كانوا عليه من عظم كفر النفاق وتعظيماً لحال من كان متلبساً به. ومعنى : مع المؤمنين، رفقاؤهم ومصاحبوهم في الدارين. والذين تابوا مستثنى من قوله : في الدرك. وقيل من قوله : فلن تجد لهم. وقيل : هو مرفوع على الابتداء، والخبر فأولئك. وقال الخوفي : ودخلت الفاء لما في الكلام من معنى الشرط المتعلق بالذين.
٣٨٠
﴿وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ أتى بسوف، لأن إيتاء الأجر هو يوم القيامة، وهو زمان مستقبل ليس قريباً من الزمان الحاضر. وقد قالوا : إنّ سوف أبلغ في التنفيس من السين، ولم يعد الضمير عليهم فيقال : وسوف يؤتيهم، بل أخلص ذلك الأجر للمؤمنين وهم رفقاؤهم، فيشاركونهم فيه ويساهمونهم. وكتب يؤت في المصحف بغير ياء، لمّا حذفت في اللفظ لالتقاء الساكنين حذفت في الخط، ولهذا نظائر في القرآن. ووقف يعقوب عليها بالياء، ووقف السبعة بغير ياء اتباعاً لرسم المصحف. وقد روى الوقف بالياء عن : حمزة، والكسائي، ونافع. وقال أبو عمرو : ينبغي أن لا يوقف عليها لأنه إن وقف بغير ياء خالف النحويين، وإن وقف بياء خالف لفظ المصحف. والأجر العظيم هو الخلود في الجنة.
﴿مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءَامَنتُمْ﴾ الخطاب قيل : للمؤمنين. وقيل : ك للكافرين، وهو الذي يقتضيه سياق الكلام. وهذا استفهام معناه النفي أي : ما يعذبكم إنْ شكرتم وآمنتم. والمعنى : أنه لا منفعة له في ذلك ولا حاجة، لأن العذاب إنما يكون لشيء يعود نفعه أو يندفع ضره عن المعذب، والله تعالى منزه عن ذلك، وإنما عقابه المسيء لأمر قضت به حكمته تعالى، فمن شكره وآمن به لا يعذبه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧٦
وما استفهام كما ذكرنا في موضع نصب بفعل، التقدير : أي شيء يفعل الله بعذابكم. والباء للسبب، استشفاء أم إدراك نار، أم جلب منفعة، أم دفع مضرة، فهو تعالى منزه عن ذلك. وأجاز أبو البقاء أنْ تكون ما نافية، قال : والمعنى : ما يعذبكم. ويلزم على قوله أن تكون الباء زائدة، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله أي : إن شكرتم وآمنتم فما يفعل بعذابكم.
ذكر عن ابن عباس أنّ المراد بالشكر هنا توحيد الله. وقال الزمخشري :(فإن قلت) : لم قدم الشكر على الإيمان ؟ (قلت) : لأن العاقل ينظر إلى ما عليه من النعمة العظيمة في خلقه وتعريضه للمنافع فيشكر شكراً مبهماً، فإذا انتهى به النظر إلى معرفة المؤمن به المنعم آمن به، ثم شكر شكراً مفصلاً، فكان الشكر متقدماً على الإيمان، وكان أصل التكليف ومداره. وقال ابن عطية : الشكر على الحقيقة لا يكون إلا مقترناً بالإيمان، لكنه ذكر الإيمان تأكيداً وتنبيهاً على جلالة موقعه انتهى. وأبعد من ذهب إلى أنه على التقديم والتأخير أي : إن آمنتم وشكرتم.
﴿وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾ شاكراً أي : مثيباً موفياً أجوركم. وأتى بصفة الشكر باسم الفاعل بلا مبالغة ليدل على أنه يتقبل ولو أقل شيء من العمل، وينميه عليماً بشكركم وإيمانكم فيجازيكم. وفي قوله : عليماً، تحذير وندب إلى الإخلاص لله تعالى. وقيل : الشكر من الله إدامة النعم على الشاكر.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧٦
﴿لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّواءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَن ظُلِمَ﴾ قال مجاهد : تضيف رجل قوماً فأساؤا قراه، فاشتكاهم، فعوتب، فنزلت. وقال مقاتل : نال رجل من أبي بكر الصديق رضي الله عنه والرسول عليه السلام،
٣٨١