جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧٦
وهذا الذي جوّزه الزمخشري لا يجوز، لأنه لا يمكن أن يكون الفاعل يذكر لغواً زائداً، ولا يمكن أن يكون الظالم بدلاً من الله، ولا عمرو بدلاً من زيد، لأن البدل في هذا الباب راجع في المعنى إلى كونه بدل بعض من كل، إما على سبيل الحقيقة نحو : ما قام القوم إلا زيد، وإما على سبيل المجاز نحو : ما في الدار أحد إلا حمار، وهذا لا يمكن فيه البدل المذكور لا على سبيل الحقيقة ولا على سبيل المجاز، لأنّ الله علم وكذا زيد هو علم، فلا يمكن أن يتخيل فيه عموم، فيكون الظالم بدلاً من الله، وعمرو بدلاً من زيد. وأما ما يجوز فيه البدل من الاستثناء المنقطع فإنه يتخيل فيما قبله عموم، ولذلك صح البدل منه على طريق المحاز، وإن لم يكن بعضاً من المستثني منه حقيقة. وأما قول الزمخشري : على لغة من يقول ما جاءني زيد إلا عمرو، فلا نعلم هذه اللغة، إلا أنّ في كتاب سيبويه بعد أن أنشد أبياتاً من الاستثناء المنقطع آخرها قول الشاعر :
عشية لا تغني الرّماح مكانهاولا النبل إلا المشرفي المصمم
ما نصه وهذا يقوي : ما أتاني زيد إلا عمرو، وما أعانه أخوانكم إلا أخوانه، لأنها معارف ليست الأسماء الآخرة بها ولا منها، انتهى كلام سيبويه. ولم يصرح ولا لوح أنّ قوله : ما أتاني زيد إلا عمرو من كلام العرب. وقيل : من شرح سيبويه، فهذا يقوي : ما أتاني زيد إلا عمرو، أي ينبغي أن يثبت هذا من كلامهم، لأن النبل معرفة ليس بالمشرفي، كما أنّ زيداً ليس بعمرو، وكما أن أخوة زيد ليسوا أخوانكم انتهى. وليس ما أتاني زيد إلا عمرو نظيراً للبيت، لأنه يتخيل عموم في البيت على سبيل المجاز، كأنه قيل : لا يغني السلاح مكانها إلا المشرفي، بخلاف ما أتاني زيد إلا عمرو، فإنه لا يتخيل في ما أتاني زيد عموم البتة على أنه لو سمع هذا من كلام العرب وجب تأويله حتى يصح البدل، فكان يصح ما جاءني زيد ولا غيره إلا عمرو. كأنه يدل على حذف المعطوف وجود هذا الاستثناء، إما أن يكون على إلغاء هذا الفاعل وزيادته، أو على كون عمرو بدلاً من زيد، فإنه لا يجوز لما ذكرناه. وأما قول الزمخشري : ومنه قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله، فليس من باب ما ذكر، لأنه يحتمل أن تكون من مفعولة، والغيب بدلاً من بدل اشتمال أي : لا يعلم غيب من في السموات والأرض إلا الله، أي ما يسرونه ويخفونه لا يعلمه إلا الله. وإنْ سلّمنا أنّ مَن مرفوعة، فيجوز أن يكون الله بدلاً مِن مَن على سبيل المجاز في من، لأن مَن في السموات يتخيل فيه عموم، كأنه قيل : قل لا يعلم الموجود دون الغيب إلا الله. أو على سبيل المجاز في الظرفية بالنسبة إلى الله تعالى، ولذا جاء عنه ذلك في القرآن وفي السنة كقوله تعالى :﴿وَهُوَ اللَّهُ فِى السَّمَـاوَاتِ وَفِى الارْضِ﴾ وقوله تعالى :﴿وَهُوَ الَّذِى فِى السَّمَآءِ إِلَـاهٌ وَفِى الارْضِ إِلَـاهٌ﴾ وفي الحديث
٣٨٤
أين الله ؟ قالت : في السماء ومن كلام العرب : لا ودي. وفي السماء بيته يعنون الله تعالى. وإذا احتملت الآية هذه الوجوه لم يتعين حملها على ما ذكر، وخص الجهر بالذكر إما إخراجاً له مخرج الغائب، وإمّا اكتفاء بالجهر عن مقابله، أو لكونه أفحش.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧٦
﴿وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا﴾ أي سميعاً لما يجهر به من السوء، عليماً بما يسر به منه. وقيل : سميعاً لكلام المظلوم، عليماً بالظالم. وقيل : سميعاً بشكوى المظلوم، عليماً بعقبى الظالم، أو عليماً بما في قلب المظلوم، فليتق الله ولا يقل إلا الحق. وهذه الجملة خبر ومعناه التهديد والتحذير.