وقرأ حمزة : زبوراً بضم الزاي. قال أبو البقاء : وفيه وجهان : أحدهما : أنه مصدر كالقعود يسمى به الكتاب المنزل على داود. والثاني : أنه جمع زبور على حذف الزائد وهو الواو. وقال أبو علي : كما قالوا طريق وطروق، وكروان وكروان، وورشان وورشان، مما يجمع بحذف الزيادة. ويقوي هذا التوجيه أن التكسير مثل التصغير، وقد اطرد هذا المعنى في تصغير الترخيم نحو أزهر وزهير، والحرث وحريث، وثابت وثبيت، والجمع مثله في القياس وإنْ كان أقل منه في الاستعمال. قال أبو علي : ويحتمل
٣٩٧
أن يكون جمع زبر أوقع على المزبور كما قالوا : ضرب الأمير، ونسج اليمن. وكما سمي المكتوب كتاباً.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٩٤
﴿وَرُسُلا قَدْ قَصَصْنَـاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ﴾ أي ذكرنا أخبارهم لك.
﴿وَرُسُلا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ﴾ روي من حديث أبي ذر : أنه سئل عن المرسلين، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم :﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾. قال القرطبي : هذا أصح ما روي في ذلك، خرجه الآجريّ وأبو حاتم البستي في مسند صحيح له. وفي حديث أبي ذر هذا : أنه سأله كم كان الأنبياء ؟ فقال :﴿مِا ئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ﴾. وروي عن أنس :[الشعراء : ٢٧-١٠٥]أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعث على أثر ثمانية آلف من الأنبياء منهم أربعة آلاف من بني إسرائيل. وروي عن كعب الأحبار أنه قال : الأنبياء ألف ألف وأربعمائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً. وقال ابن عطية : ما ذكر من عدد الأنبياء غير صحيح، والله أعلم بعدتهم انتهى.
وانتصاب ورسلاً على إضمار فعل أي : قد قصصنا رسلاً عليك، فهو من باب الاشتغال. والجملة من قوله : قد قصصناهم، مفسرة لذلك الفعل المحذوف، ويدل على هذا قراءة أبي ورسلُ بالرفع في الموضعين على الابتداء. وجاز الابتداء بالنكرة هنا، لأنه موضع تفصيل كما أنشدوا : فثوب لبست وثوب أجر.
وقال امرؤ القيس :
بشق وشق عندنا لم يحوّل
ومن حجج النصب على الرفع كون العطف على جملة فعلية وهي : وآتينا داود زبوراً. وقال ابن عطية : الرفع على تقدير وهم : رسل، فعلى قوله يكون قد قصصناهم جملة في موضع الصفة. وجوّزوا أيضاً نصب ورسلاً من وجهين : أحدهما : أن يكون نصباً على المعنى، لأن المعنى : إنا أرسلناك وأرسلنا رسلاً، لأن الرد على اليهود إنما هو في إنكارهم إرسال الرسل واطراد الوحي.﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ هذا إخبار بأن الله شرف موسى بكلامه، وأكد بالمصدر دلالة على وقوع الفعل على حقيقته لا على مجازه، هذا هو الغالب. وقد جاء التأكيد بالمصدر في المجاز، إلا أنه قليل. فمن ذلك قول هند بنت النعمان بن بشير الأنصاري :
بكى الخز من عوف وأنكر جلدهوعجت عجيجاً من جذام المطارف
وقال ثعلب : لولا التأكيد بالمصدر لجاز أن تقول : قد كلمت لك فلاناً بمعنى كتبت إليه رقعة وبعثت إليه رسولاً، فلما قال : تكليماً لم يكن إلا كلاماً مسموعاً من الله تعالى. ومسألة الكلام مما طال فيه الكلام واختلاف فيها علماء الإسلام، وبهذه المسألة سمي علم أصول الدين بعلم الكلام، وهي مسألة يبحث عنها في أصول الدين. وقرأ ابراهيم بن وثاب : وكلم الله بالنصب على أن موسى هو المكلم. ومن بدع التفاسير أنه من الكلم، وأنّ معناه : وجرح الله موسى بأظفار المحن ومخالب الفتن. وقال كعب : كلم الله موسى بالألسنة كلها، فجعل موسى يقول : رب لا أفهم، حتى كلمه بلسان موسى آخر الألسنة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٩٤
﴿رُّسُلا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةُا بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ أي يبشرون بالجنة من أطاع، وينذرون بالنار من عصى. وأراد تعالى أن يقطع بالرسل احتجاج من يقول : لو بعث إلي رسول لآمنت. وفي الحديث :"وليس أحد أحب إليه العذر من الله" فمن أجل ذلك أنزل الكتب وأرسل الرسل. وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف يكون للناس على الله حجة قبل الرسل وهم محجوجون بما نصبه الله تعالى من الأدلة التي النظر فيها موصل إلى المعرفة، والرسل في أنفسهم لم يتوصلوا إلى المعرفة إلا بالنظر في تلك الأدلة، ولا عرفوا أنهم رسل الله إلا بالنظر فيها ؟ قلت : الرسل منهيون عن الغفلة، وباعثون على النظر كما ترى علماء العدل والتوحيد، مع تبليغ ما حملوه من تفصيل أمور الدين، وبيان أحوال التكليف وتعلم الشرائع، فكان إرسالهم إزاحة للعلة وتتميماً
٣٩٨


الصفحة التالية
Icon