يصف سقط النار وسمي روحاً لأنه حدث عن نفخة جبريل. وقيل : ومعنى وروح منه أي رحمة. ومنه ﴿وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ﴾. وقيل : سمي روحاً لأحياء الناء به كما يحيون بالأرواح، ولهذا سمي القرآن روحاً. وقيل : المعنى بالروح هنا الوحي أي : ووحى إلى جبريل بالنفخ في درعها، أو إلى ذات عيسى أن كن، ونكر وروح لأن المعنى على تقدير صفة لا على إطلاق روح، أي : وروح شريفة نفيسة من قبله تعالى. ومن هنا لاتبداء الغاية، وليست للتبعيض كما فهمه بعض النصارى فادعى أنّ عيسى جزء من الله تعالى، فرد عليه علي بن الحسين بن واحد المروزي حين استدل النصراني بأنّ في القرآن ما يشهد لمذهبه وهو قوله : وروح منه، فأجابه ابن واحد بقوله :﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِى السَّمَـاوَاتِ وَمَا فِى الارْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ﴾. وقال : إن كان يجب بهذا أن يكون عيسى جزأ منه وجب أن يكون ما في السموات وما في الأرض جزأ منه، فانقطع النصراني وأسلم. وصنف ابن فايد إذ ذاك كتاب النظائر.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٩٤
﴿مَّا كَانَ اللَّهُ﴾ أي الذين من جملتهم عيسى ومحمد عليهما السلام.
﴿وَلا تَقُولُوا ثَلَـاثَةٌ﴾ خبر مبتدأ محذوف أي : الآلهة ثلاثة. قال لزمخشري : والذي يدل عليه القرآن التصريح منهم بأن الله والمسيح ومريم ثلاثة آلهة، وأن المسيح ولد الله من مريم. ألا ترى إلى قوله :﴿قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِى وَأُمِّىَ إِلَـاهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ﴾. وقالت النصارى : المسيح ابن الله، والمشهور المستفيض عنهم أنهم يقولون في المسيح لاهوتيته وناسوتيته من جهة الأب والأم، ويدل عليه قوله : إنما المسيح عيسى ابن مريم، فأثبت أنه ولد لمريم أتصل بها اتصال الأولاد بأمهاتهم، وأنّ اتصاله بالله عز وجل من حيث أنه رسوله، وأنه موجود بأمره، وابتداعه جسداً حياً من غير أب ينفي أنه يتصل به اتصال الأبناء بالآباء. وقوله :﴿سُبْحَـانَهُا أَن يَكُونَ لَهُا وَلَدٌا﴾ وحكاية الله أوثق من حكاية غيره، وهذا الذي رجحه الزمخشري قول ابن عباس قاله يريد بالتثليث : الله تعالى، وصاحبته، وابنه. وقال الزمخشري أيضاً إن صحت الحكاية عنهم أنهم يقولون هو جوهر واحد ثلاثة أقانيم : أقنوم الأب، وأقنوم الابن، وأقنوم روح القدم، وأنهم يريدون باقنوم الأب الذات، وبأقنوم الابن العلم، وبأقنوم روح القدس الحياة، فتقديره الله ثلاثة انتهى. وقال ابن عطية : يحتمل أن يكون التقدير المعبود ثلاثة، أو الآلهة ثلاثة، أو الأقانيم ثلاثة. وكيفما تشعب اختلاف عبارات النصارى فإنه يختلف بحسب ذلك التقدير انتهى. وقال الزجاج : تقديره إلهاً ثلاثة. وقال الفراء وأبو عبيد : تقديره ثلاثة كقوله :﴿سَيَقُولُونَ ثَلَـاثَةٌ﴾ وقال أبو علي : التقدير الله ثالث ثلاثة، حذف المبتدأ والمضاف انتهى. أراد أبو علي موافقة قوله :﴿لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَـاثَةٍ﴾ أي أحد آلهة ثلاثة والذي يظهر أن الذي أثبتوه هو ما أثبت في الآية خلافه، والذي أثبت في الآية بطريق الحصر إنما هو وحدانية الله تعالى، وتنزيهه أن يكون له ولد، فيكون التقدير : ولا تقولوا الله ثلاثة. ويترجح قول أبي علي بموافقته الآية التي ذكرناها، وبقوله تعالى سبحانه أن يكون له ولد، والنصارى وإن اختلفت فرقهم فهم مجمعون على التثليث.
﴿انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ﴾ تقدم الكلام في انتصاب خيراً. وقال الزمخشري في تقدير مذهب سيبويه في نصبه لما بعثهم على الإيمان يعني في قوله :﴿يَـا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ﴾ وعلى الانتهاء عن التثليث يعني في قوله : انتهوا خيراً لكم، علم أنه يحملهم على أمر فقال : خيراً لكم أي
٤٠١
اقصدوا وأتوا خيراً لكم مما أنتم فيه من الكفر والتثليث، وهو الإيمان والتوحيد انتهى. وهو تقدير سيبويه في الآية.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٩٤
﴿إِنَّمَا اللَّهُ إِلَـاهٌ وَاحِدٌ﴾ قال ابن عطية : إنما في هذه الآية حاصرة، اقتضى ذلك العقل في المعنى المتكلم فيه، وليست صيغة، إنما تقتضي الحصر، ولكنها تصلح للحصر والمبالغة في الصفة، وإن لم يكن حصر نحو : إنما الشجاع عنترة وغير ذلك انتهى كلامه. وقد تقدم كلامنا مشبعاً في إنما في قوله :﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ وكلام ابن عطية فيها هنا أنها لا تقتضي بوضعها الحصر صحيح، وإن كان خلاف ما في أذهان كثير من الناس.
﴿سُبْحَـانَهُا أَن يَكُونَ لَهُا وَلَدٌا﴾ معناه تنزيهاً له وتعظيماً من أن يكون له ولد كما تزعم النصارى في أمره، إذ قد نقلوا أبوة الحنان والرأفة إلى أبوة النسل. وقرأ الحسن : إن يكون له ولد بكسر الهمزة وضم النون من يكون، على أنّ أن نافية أي : ما يكون له ولد فيكون التنزيه عن التثليث، والإخبار بانتفاء الولد، فالكلام جملتان، وفي قراءة الجماعة جملة واحدة.