﴿ذَالِكُمْ فِسْقٌ﴾ الظاهر أنّ الإشارة إلى الاستقسام خاصة، ورواه أبو صالح عن ابن عباس. وقال الزمخشري : إشارة إلى الاستقسام، وإلى تناول ما حرم عليهم، لأن المعنى : حرم عليهم تناول الميتة وكذا وكذا. (فإن قلت) : لم كان استقسام المسافر وغيره بالأزلام ليعرف الحال فسقاً ؟ (قلت) : لأنه دخول في علم الغيب الذي استأثر به علام الغيوب، وقال :﴿لا يَعْلَمُ مَن فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ﴾ واعتقاد أن إليه طريقاً وإلى استنباطه. وقوله : أمرني ربي ونهاني ربي افتراء على الله تعالى، وما يبديه أنه أمره أو نهاه الكهنة والمنجمون بهذه المثابة، وإن كان أراد بالرب الصنم. فقد روي أنهم كانوا يحلون بها عند أصنامهم، وأمره ظاهر انتهى. قال الزمخشري في اسم الإشارة رواه عن ابن عباس عليّ بن أبي طلحة، وهو قول ابن جبير. قال الطبري : ونهى الله عن هذه الأمور التي يتعاطاها الكهان والمنجمون، لما يتعلق بها من الكلام في المغيبات. وقال غيره : العلة في تحريم الاستقسام بالأزلام كونها يؤكل بها المال بالباطل، وكانوا إذا أرادوا أن يختنوا غلاماً أو ينكحوا أو يدفنوا ميتاً أو شكوا في نسب، ذهبوا إلى هبل بمائة درهم وجزور، فالمائة للضارب بالقداح، والجزور ينحر ويؤكل، ويسمون صاحبهم ويقولون لهبل : يا إلهنا هذا فلان أردنا به كذا وكذا فأخرج الحق فيه، ويضرب صاحب القداح فما خرج عمل به، فإن خرج لا أخروه عامهم حتى يأتوا به مرة أخرى، ينتهون في كل أمورهم إلى ما خرجت به القداح.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٠٩
﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ﴾ الألف واللام فيه للعهد وهو يوم عرفة قاله : مجاهد، وابن زيد. وهو يوم نزولها بعد العصر في حجة الوداع يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلّم في الموقف على ناقته، وليس في الموقف مشرك. وقيل : اليوم الذي دخل فيه الرسول صلى الله عليه وسلّم مكة لثمان بقين من رمضان سنة تسع. وقيل : سنة ثمان، ونادى مناديه بالأمان لمن لفظ بشهادة الإسلام، ولمن وضع السلاح، ولمن أغلق بابه. وقال الزجاح : لم يرد يوماً بعين، وإنما المعنى : الآن يئسوا، كما تقول : أنا اليوم قد كبرت انتهى. واتبع الزمخشري الزجاج فقال : اليوم لم يرد به يوماً بعينه، وإنما أراد الزمان الحاضر وما يتصل به ويدانيه من الأزمنة الماضية والآتية، كقولك : كنت بالأمس شاباً وأنت اليوم أشيب، فلا يريد بالأمس الذي قبل يومك، ولا باليوم يومك. ونحوه الآن في قوله :
الآن لما ابيض مسربتيوعضضت من نابي على جدم
انتهى.
والذين كفروا : مشركو العرب. قال ابن عباس، والسدي، وعطاء : أيسوا من أن ترجعوا إلى دينهم. وقال ابن عطية : ظهور أمر النبي صلى الله عليه وسلّم وأصحابه، وظهور دينه، يقتضي أن يئس الكفار عن الرجوع إلى دينهم قد كان وقع منذ زمان، وإنما هذا اليأس عندي من اضمحلال أمر الإسلام وفساد جمعه، لأنّ هذا أمر كان يترجاه من بقي من الكفار. ألا ترى إلى قول أخي صفوان بن أمية في يوم هوازن حين انكشف المسلمون فظنها هزيمة. ألا بطل السحر اليوم. وقال الزمخشري : يئسوا منه أن يبطلوه وأن يرجعوا محللين لهذه الخبائث بعدما حرمت عليكم. وقيل : يئسوا من دينكم
٤٢٥
أن يغلبوه لأنّ الله وفى بوعده من إظهاره على الدين كله انتهى. وقرأ أبو جعفر : ييس من غير همز، ورويت عن أبي عمرو.
﴿فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ﴾ قال ابن جبير : فلا تخشوهم أن يظهروا عليكم. وقال ابن السائب : فلا تخشوهم أن يظهروا على دينكم. وقيل : فلا تخشوا عاقبتهم. والظاهر أنه نهى عن خشيتهم إياهم، وأنهم لا يخشون إلا الله تعالى.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٠٩