جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٣٠
والظاهر أنّ الوضوء شرط في صحة الصلاة من هذه الآية، لأنه أمر بالوضوء للصلاة، فالآتي بها دونه تارك للمأمور، وتارك المأمور يستحق العقاب. وأيضاً فقد بيّن أنه متى عدم الوضوء انتقل إلى التيمم، فدل على اشتراطه عند القدرة عليه. والظاهر أنّ أول فروض الوضوء هو غسل الوجه، وبه قال أبو حنيفة. وقال الجمهور : النية أولها. وقال أحمد وإسحاق : تجب التسمية في أول الوضوء، فإن تركها عمداً بطل وضوءه. وقال بعضهم : يجب ترك الكلام على الوضوء، والجمهور على أنه يستحب. والظاهر أنّ الواجب في هذه المأمور بها هو مرة واحدة. والظاهر وجوب تعميم الوجه بالغسل بدأت بغسل أي موضع منه. والظاهر وجوب غسل البياض الذي بين العذار والأذن، وبه قال : أبو حنيفة، ومحمد، والشافعي. وقال أبو يوسف وغيره : لا يجب. والظاهر أنّ ما تحت اللحية الخفيفة لا يجب غسله، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشافعي : يجب وأنّ ما استرسل من الشعر تحت الذقن لا يجب غسله. وبه قال أبو حنيفة. وقال مالك والمزني : يجب. وعن الشافعي القولان. والظاهر أن قوله : وأيديكم، لا ترتيب في غسل اليدين، ولا في الرجلين، بل تقديم اليمنى على اليسرى فيهما مندوب إليه من السنة. وقال أحمد : هو واجب. والظاهر أنّ التغيية بإلى تقتضي أن يكون انتهاء الغسل إلى ما بعدها، ولا يجوز الابتداء من المرفق حتى يسيل الماء إلى الكف، وبه قال بعض الفقهاء. وقال الجمهور : لا يخل ذلك بصحة الوضوء. والسنة أن يصبّ الماء من الكف بحيث يسيل منه إلى المرفق.
﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ هذا أمر بالمسح بالرأس، واختلفوا في مدلول باء الجرّ هنا فقيل : إنها للإلصاق. وقال الزمخشري : المراد إلصاق المسح بالرأس، وما مسح بعضه ومستوفيه بالمسح كلاهما ملصق المسح برأسه انتهى. وليس كما ذكر، ليس ماسح بعضه يطلق عليه أنه ملصق المسح برأسه، إنما يطلق عليه أنه ملصق المسح ببعضه. وأما أنْ يطلق عليه أنه ملصق المسح برأسه حقيقة فلا، إنما يطلق عليه ذلك على سبيل المجاز، وتسمية لبعض بكل. وقيل : الباء للتبعيض، وكونها للتبعيض ينكره أكثر النحاة حتى قال بعضهم، وقال من لا خبرة له بالعربية. الباء في مثل هذا للتبعيض وليس بشيء يعرفه أهل العلم. وقيل : الباء زائدة مؤكدة مثلها في قوله ﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَاد﴾ ﴿وَهُزِّى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ﴾ أي إلحاد أو جذع وأيديكم. وقال الفراء : تقول
٤٣٦
العرب هزه وهزّ به، وخذ الخطام وبالخطام، وحز رأسه وبرأسه، ومده ومد به. وحكى سيبويه : خشنت صدره وبصدره، ومسحت رأسه وبرأسه في معنى واحد، وهذا نص في المسألة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٣٠
وعلى هذه المفهومات ظهر الاختلاف بين العلماء في مسح الرأس، فروي عن ابن عمر : أنه مسح اليافوخ فقط، وعن سلمة بن الأكوع أنه كان يمسح مقدم رأسه، وعن ابراهيم والشعبي : أي نواحي رأسك مسحت أجزأك، وعن الحسن : إن لم تصب المرأة إلا شعرة واحدة أجزأها. وأما فقهاء الأمصار فالمشهور من مذهب مالك : وجوب التعميم. والمشهور من مذهب الشافعي : وجوب أدنى ما ينطلق عليه اسم المسح، ومشهور أبي حنيفة والشافعي : أن الأفضل استيعاب الجميع. ومن غريب ما نقل عمن استدل على أنّ بعض الرأس يكفي أن قوله تعالى : وامسحوا برؤسكم، كقولك : مسحت بالمنديل يدي، فكما أنه لا يدل هذا على تعميم جميع اليد بجزء من أجزاء المنديل فكذلك الآية، فتكون الرأس والرجل آلتين لمسح تلك اليد، ويكون الفرض إذ ذاك ليس مسح الرأس والأرجل، بل الفرض مسح تلك اليد بالرأس والرجل، ويكون في اليد فرضان : أحدهما : غسل جميعها إلى المرفق، والآخر : مسح بللها بالرأس والأرجل. وعلى من ذهب إلى التبعيض يلزم أن يكون التبعيض في قوله في قصة التيمم :{فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه{أن يقتصر على مسح بعض الوجه وبعض اليد، ولا قائل به. وعلى من جعل الباء آلة يلزم أيضاً ذلك، ويلزم أن يكون المأمور به في التيمم هو مسح الصعيد بجزء من الوجه واليد.
والظاهر أنّ الأمر بالغسل والمسح بقع الامتثال فيه بمرة واحدة، وتثليث المعسول سنة. وقال أبو حنيفة ومالك : ليس بسنة. وقال الشافعي : بتثليث المسح. وروي عن أنس، وابن جبير، وعطاء مثله. وعن ابن سيرين : يمسح مرتين. والظاهر من الآية : أنه كيفما مسح أجزأه.