الكلم هو تغييرهم صفة الرسول أزالوها وكتبوا مكانها صفة أخرى فغيروا المعنى والألفاظ، والصحيح أن تحريف الكلم عن مواضعه هو التغيير في اللفظ والمعنى، ومن اطلع على التوراة علم ذلك حقيقة، وقد تقدم الكلام على هذا المعنى. وهذه الجملة وما بعدها جاءت بياناً لقسوة قلوبهم، ولا قسوة أشد من الافتراء على الله تعالى وتغيير وحيه. وقرأ أبو عبد الرحمن والنخعي الكلام بالألف. وقرأ أبو رجاء : الكلم بكسر الكاف وسكون اللام. وقرأ الجمهور : الكلم بفتح الكاف.
﴿وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِا﴾ وهذا أيضاً من قسوة قلوبهم وسوء فعلهم بأنفسهم، حيث ذكروا بشيء فنسوه وتركوه، وهذا الحظ من الميثاق المأخوذ عليهم. وقيل : لما غيروا ما غيّروا من التوراة استمروا على تلاوة ما غيروه، فنسوا حظاً مما في التوراة قاله مجاهد. وقيل : أنساهم نصيباً من الكتاب بسبب معاصيهم، وعن ابن مسعود : قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية، وتلا هذه الآية. وقال الشاعر :
شكوت إلى وكيع سوء حفظيفأومأ لي إلى ترك المعاصي
وقيل : تركوا نصيبهم مما أمروا به من الإيمان بالرسول وبيان نعته.
﴿وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَآاِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلا قَلِيلا مِّنْهُمْ﴾ أي هذه عادتهم وديدنهم معك، وهم على مكان أسلافهم من خيانة الرسل وقتلهم الأنبياء. فهم لا يزالون يخوفونك وينكثون عهودك، ويظاهرون عليك أعداءك، ويهمون بالقتل بك، وأن يسموك. ويحتمل أن يكون الخائنة مصدراً كالعافية، ويدل على ذلك قراءة الأعمش على خيانة، أو اسم فاعل، والهاء للمبالغة كراوية أي خائن، أو صفة لمؤنث أي قرية خائنة، أو فعلة خائنة، أو نفس خائنة. والظاهر في الاستثناء أنه من الأشخاص في هذه الجملة، والمستثنون عبد الله بن سلام وأصحابه قاله : ابن عباس. وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون في الأفعال أي : إلا فعلاً قليلاً منهم، فلا تطلع فيه على خيانة. وقيل : الاستثناء من قوله :﴿وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً﴾ والمراد به المؤمنون، فإنّ القسوة زالت عن قلوبهم، وهذا فيه بعد.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٢
﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ ظاهره الأمر بالمعروف والصفح عنهم جميعهم، وذلك بعث على حسن التخلق معهم ومكارم الأخلاق. وقال ابن جرير : يجوز أن يعفو عنهم في مغدرة فعلوها ما لم ينصبوا حرباً، ولم يمتنعوا من أداء جزية. وقيل : الضمير عائد على من آمن منهم، فلا تؤاخذهم بما سلف منهم، فيكون عائداً على المستثنين. وقيل : هذا الأمر منسوخ بآية السيف. وقيل : بقوله :﴿قَـاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾. وقيل : بقوله :﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً﴾ وفسر قوله : يحب المحسنين، بالعافين عن الناس، وبالذين أحسنوا عملهم بالإيمان، وبالمستثنين وهم الذين ما نقضوا العهد والذين آمنوا وبالنبي عليه السلام لأنه المأمور في الآية بالصفح والعفو.
﴿وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَـارَى أَخَذْنَا مِيثَـاقَهُمْ﴾. الظاهر أنّ من تتعلق بقوله : أخذنا وأنَّ الضمير في ميثاقهم عائد على الموصول، وأنّ الجملة معطوفة على قوله :﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَـاقَ بَنِى إِسْرَا ءِيلَ﴾ والمعنى : أنه تعالى أخذ من النصارى ميثاق أنفسهم وهو الإيمان بالله والرسل وبأفعال الخير. وقيل : الضمير في ميثاقهم عائد على بني إسرائيل، ويكون مصدراً شبيهاً أي : وأخذنا من النصارى ميثاقاً مثل ميثاق بني إسرائيل. وقيل : ومن الذين معطوف على قوله : منهم، من قوله :﴿وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَآاِنَةٍ﴾ منهم أي من اليهود، ومن الذين قالوا إنا
٤٤٦